السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢١ شوال ١٤٤٦ هـ

إشكالية الكتابة التاريخية – بقلم أ.د . عبدالواسع أحمد الحميري

إشكالية الكتابة التاريخية – بقلم أ.د . عبدالواسع أحمد الحميري

.

هذا السّفر الموسوم بـ وثائق غيثان بن جريس الخاصة الرسائل المتبادلة مع الهيئات والأفراد ( 1413هـ ـ 1434هـ /1993ـ 2014م)، الذي يطالعنا به الدّكتور غيثان بن جريس, يتألف من ثمانية مجلّدات كبيرة, جمعه ونسقه الأستاذ الفاضل محمد بن أحمد بن معبر، وينطوي على آلاف الرّسائل التي تبادلها الصّديق الدكتور غيثان مع آخرين ينتمون إلى مؤسّسات وهيئات علميّة وثقافيّة مختلفة, حول قضايا مختلفة ..

منها ما هو خاصّ بالدكتور غيثان الذي دأب منذ أكثر من ربع قرن على الاحتفاظ بكلّ ما يصدر عنه أو يرد إليه من رسائل تخصّه أو تخصّ عمله البحثي الأكاديمي, ومنها ما هو عامّ وله علاقة برغبته في الجمع والتّوثيق لتاريخ جنوب الجزيرة العربيّة ونشأة الدّولة في هذه المنطقة العريقة؛ أرضاً وإنساناً, ثقافةً وحضارةً.

 وقد جرى في ترتيب تلك الرّسائل التي تبادلها مع الآخرين على نظام السنين, حيث خصّص لكلّ سنة مجلّداً خاصّا بها, حيث بلغ عدد مجلّدات الرّسائل الواردة، حسب إحصاء الأستاذ ابن معبر، (23) مجلدا ومثلها صور الرّسائل الصّادرة عنه (سجل أرشيف الصادر والوارد من وإلى غيثان). وكما ورد في مقدّمة جامع هذه الرسائل الأستاذ محمّد بن معبّر فإنّ مكتبة الدكتور غيثان بن جريس، تتكوّن من ستة أقسام، هي :

أولاً : الوثائق العامّة: ويحوي على ما يقرب من ( 40000) وثيقة، تمثل تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها من القرون الهجرية الوسيطة والحديثة. والغالبية العظمى من هذه الوثائق يخص جنوب المملكة في نطاق تهامة والسراة التي تمتد من مكة والطائف شمالا إلى جازان ونجران جنوبا.

ثانياً : الوثائق الخاصّة: ويحوي على الرّسائل المتبادلة مع الهيئات العلمية والثقافية والأفراد, وهذا القسم هو موضوع هذا الكتاب.

ثالثاً : أبحاث ورسائل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه غير المنشورة, ويحتوي على 400 بحثا غير منشور لطلاب الدكتور غيثان

رابعاً : الصور الفوتوغرافية..

خامساً : المذكرات والمدونات: وهي المذكرات والمدونات المطولة التي دونها أصحابها بناء على طلب غيثان، وتلك التي عثر عليها عند بعض البيوتات العلمية في بلاد تهامة والسراة.

سادساً : بعض المخطوطات والكتب النادرة في علم التاريخ وغيره من العلوم.وبالعودة إلى موضوع هذا الكتاب السّفر الذي أسماه الأستاذ محمد بن معبّر بالوثائق الخاصّة الواردة والصّادرة، يمكننا أن نسجّل عددا من الملاحظات، لعلّ أهمّها: 

ترسم هذه الرّسائل جزءاً من صورة الحياة التي عاشها كاتِبُ هذه الرّسائل ومستكتِبُها في بيئته العلميّة والثقافيّة؛ كأستاذ جامعي يحرص أشدّ ما يكون الحرص على أن يكون له حضور فكريّ ثقافيّ بين أبناء وطنه وأمّته, لذلك رأيناه يكتب مستكتباً الآخرين ممن يعتقد أنّ لديهم الرّغبة والحرص والقدرة على الكتابة التّاريخيّة حول تاريخ بلاد تهامة والسّراة ونشأة بعض مؤسّسات الدّولة السّعوديّة الحديثة فيها ..

ليقوم بعد ذلك بجمع وتوثيق كلّ ما كتبه أو استكتبه من الآخرين من رسائل وتقارير وإعداده للطباعة والنشر في مطبوعات ضخمة, على النّحو الذي بات واضحا لنا اليوم . على أنّ الأمر لا يقف بكاتب هذه الرّسائل ومستكتبها عند هذا الحد بل نراه يلحّ أشدّ ما يكون الإلحاح على التّواصل مع الهيئات العلمية والثقافية والإعلامية والأفراد داخل المملكة وخارجها لتزويدهم بما ينجز أوّلاً بأوّلٍ.

والأهمّ من ذلك كلّه حرصه الشديد على إيصال كتبه إلى مكتبات الجامعات والهيئات الثقافية في داخل المملكة وخارجها. وهو أمر من شأنه أنه قد أدّى أو سيؤدي بالضّرورة إلى حضوره كاتباً وباحثاً ومؤرّخاً عن بلاد تهامة والسّراة في الكثير من الأوساط الثقافية، فضلا عن المواقع العلمية والثقافية التي وصلت إليها تلك الكتب.

لذلك فإنّ السؤال المهم الذي لا بدّ أن يطرح على مثل هذا النّوع من الكتابة الإشكاليّة ( الكتابة من أجل الاستكتاب حول أشياء تدخل في صميم اهتمام الكاتب وربّما المستكتب ) هو: تُرَى إلى أيّ حقل معرفيّ يمكن أن تنتمي مثل هذه الكتابة الإشكاليّة؟ ولأيّ شيء تؤسّس؟! هل تؤسّس لتاريخ الأفراد؟

أم تؤسّس لتاريخ المجتمعات التي ينتمي إليها الأفراد؟ وإذا كنّا نعتقد أنّها إنّما تؤسّس لتاريخ الأفراد في علاقتهم بمجتمعاتهم، فإنّ السّؤال الذي يمكن أن يرد في مثل هذا السّياق : فكيف تجلّت لنا علاقة الكاتب الصّديق الدكتور غيثان بمجتمعه القريب والبعيد في هذه الرّسائل الماثلة بين أيدينا اليوم؟! متضمّنا السّؤال الآخر الأهمّ والمتعلّق بعلاقة الكاتب بمن كتب لهم أو استكتبهم في هذه الرّسائل؟!

وهو سؤال نعتقد أنه سيظل مفتوحا حتى يجد من يحاول الإجابة عنه من الباحثين في مجال علم النّفس الاجتماعي والتاريخي. مع خالص حبي وعميق تقديري واحترامي للكاتب ولمن استكتب ولمن جمع وصنّف. ( أبها 26/2/1436هـ الموافق 8 ديسمبر 2014 م ) والله الموفق.

.

جريس2

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *