بداية انا محقق حوادث طيران، وعضو الجمعية الدولية لمحققي حوادث الطيران لأكثر من عشرين سنة، ورئيس سابق للجنة الاستشارية للسلامة بالاتحاد العالمي للنقل الجوي ( آيَاتِا)، والمسوؤل الاول عن السلامة بالخطوط السعودية لأكثر من عقد من الزمان،مثلت شركتي في لجان تحقيق دولية في عدد من الحوادث الجوية، و قائد طائرة لما يزيد عن عدة عقود طرت خلالها طائرات مروحية ونفاثة عديدة اخرها البوينج ٧٤٧ ثم البوينج ٧٧٧ …
ولكن حديثي اليوم لا يمثل اي من الجهات التي عملت لديها او المنظمات التي انتميت اليها ولكنه يمثلني وحدي كرأي شخصي بحت يحتمل الخطاء بقدر ما يحتمل الصواب ومن حق اي زميل مهنة او حتى مشارك غير متخصص ان يعارضه او ينسفه من اساسه بدون حرج فانا فقط أردت ان ألقي بعض الإضاءة على موضوع النقاش لمن يستسيغ ما ساطرحه من وجهة نظر فقط.
لقد قرأت ما تم نشرة حول حوادث شركة الطيران الماليزية وما دار حول ذلك من نقاش ومع اسفي الشديد لما حدث للطيران الماليزي المتميز، ومع شديد حزني على الضحايا الأبرياء من ركاب الطائرات ملاحيها، ومع صادق تعزيتي للخطوط الماليزية العريقة ولأسر الضحايا وزملائهم ومحبيهم، فلقد سعدت باهتمام الاحبة المشاركين بشؤون الطيران وبالذات أمور السلامة الجوية مما يمثل توجها إيجابياً للتوعية بامور السلامة و صحوة مطلوبة في منطقتنا العربية في ذلك المجال …
ومع ذلك فان لي ملاحظات ارجو ان تثري النقاش الخصها فيما يلي :
١- يلاحظ ان بعض الكتاب ممن يتصدون للكتابة في أمور سلامة الطيران كتاب غير متخصصين في شؤون صناعة الطيران ولا في أدبياتها ولا يقدرون تبعات كتاباتهم الانسانية على الضحايا وأسرهم، فيخوضون حول الحادثة بدون دراسة المتوفر من المعلومات، وبدون التمحيص في مدى دقة معلوماتهم، فيلحقون بكتاباتهم اذى كبيراً بشركات الطيران التي يتعرضون لها، ويضرون بسمعتها وسمعة منسوبيها ويزيدون أهل الضحايا الماً على آلامهم ، سواء كان ذلك بعلم الكاتب او بدون علمه،
كما انهم بكتاباتهم يثيرون بلبلة ولغط لا فائدة منه بين جمهور قرائهم و خصوصاً غير المتخصصين منهم وربما خرجوا بالأمر عن هدفه الحقيقي والذي يجب ان لا يتعدى البحث عن معرفة ماذا حدث ولماذا حدث وكيف حدث، وربما بحث كيف يكمن تفاديه مستقبلا في سبيل جعل الطيران اكثر أماناً وهذا جل ما يجب التطرق له بعد اي حادثة اعتماداً على حقائق مثبته وليس تخميناً ، ولعل همّ اولئك الكتاب الاول هو الشهرة والتعلق باي عربة توصلهم اليها، وهذه احد اهم معضلات إعلام المهنة في بلادنا، ولعل الكاتبة البحرينية العزيزة هي احد اولئك الكتاب ضحايا نهم الاضواء والشهره.
٢- ان من يحلل حوادث الماليزية التي يدور الجدل حولها بمهنية وحيادية يجدها حادثتين فقط (مما يهمنا ويقع في صميم نقاشنا، فنحن لا نتكلم عن العوارض التشغيلية اليومية حيث مجالها اخر )، وكلا الحادثتين قد اكتسبت اهتماما عالمياً وتابعها الاعلام بشغف، وشرحها المحللون المتخصصون و غير المتخصصون بإسهاب، و توصل الجميع فيهما الى ما يلي :-
نبداء بالرحلة الاسهل وهي الرحلة ١٧ من طراز بوينج ٧٧٧ بتاريخ ١٧ يوليو ٢٠١٤م والتي تحطمت فوق شرق أوكرانيا خلال رحلتها من أمستردام الى ماليزيا وعلى متنها ٢٨٣ راكب و ١٥ ملاح حيث بينت نتائج التحقيق ان الطائرة قد تعرضت الى اعتداء بصاروخ ارض جو أطلقه احد الفرقاء المتحاربين على ارض أوكرانيا وليس للشركة الماليزية ولا لمنسوبيها اي يداً فيه حيث كانت الطائرة تطير بحسب خطة طيران معتمدة تكفل المواثيق الدولية واتفاقيات الطيران الملزمة سلامتها (وكان يسلك نفس المسار عدد من الطائرات المدنية الأخري والتي كانت اكثر حظا من الطائرة الماليزية) ،…
وبرغم خطة الطيران المعتمدة والمواثيق الدولية فقد تم الاعتداء على الطائرة عمداً او خطاء ( هذا ما ستثبته التحقيقات ) ، ولذلك فأن دور الخطوط الماليزية فيما حدث لا يعدو دور الضحية المعتدى عليه ولا يجب تحميلها غير ذلك من اي متخصص محايد. لاسيما وقد كان من الممكن ان يحدث نفس الشئ لطائرة اي شركة طيران كانت تسلك نفس المسار وتحت نفس الظروف بصرف النظر عن جنسية الشركة او انتمائها الديني او السياسي.
ما سبق حقائق حقائق منشورة ومتوفرة لكل من يرغب الاطلاع عليها ولذلك فواجب كل من يريد ان يكتب عن الحادثة او يناقشها ان يطّلع على تلك المعلومات قبل الشروع في الكتابة او النقاش تحرياً للمصداقية و تحقيقا للهدف من النقاش وبعداً عن التعرض للشركة او منسوبيها او أقارب الضحايا من ملاحي الطائرة بدون وجه حق.
اما الحادثة الاخرى وهي الأكثر تعقيد والأهم بالنسبة لكل من يعمل في مجال صناعة النقل الجوي من مصنعين و مشرعين ومشغلين وحتى لمستخدمي وسائل النقل الجوي فقد حدثت لرحلة الماليزية رقم ٣٧٠ من طراز بوينج ٧٧٧ بتاريخ ٨ مارس ٢٠١٤م خلال رحلتها بين كوالالمبور وبكين وكان على متنها ٢٢٧ راكباً و ١٢ ملاحاً حيث تم خلال الرحلة اختفاء الطائرة بركابها تماما، وبرغم كثافة الجهود الماليزية و الدولية المبذولة فلا يزال اختفاء الطائرة لغزاً محيراً ومريباً
و لقد كتُب عن تلك الحادثة الكثير من التحليلات وقيل فيها الكثير ايضا، غير ان كل ما كتب وكل ما قيل سيضل افتراضات ونظريات غير مؤكدة و لا يمكن الجزم بها قبل وجود دليل قاطع عليها من قبل لجنة تحقيق دولية، ومثل ذلك الدليل سيتطلب اما وجود الصناديق السوداء للطائرة، وأما تقديم احد الدول العظمى ممن يملكون التقنيات اللازمة صورة رادارية مسترجعة من المعلومات الخزنة في قاعدة معلومات الأقمار الصناعية القادرة على تخزين تلك المعلومات بما يوضح خط السير الذي سلكته الطائرة منذ خروجها عن خط سير رحلتها المحدد وحتى سقوطها في البحر ان كانت قد سقطت، او نزولها في مكان ما ان كانت قد نزلت في البر.
ومثل ذلك الإجراء في قناعة الكثير من المتخصصين امر ممكن ، حيث ان خاصية استعادة المعلومات المسجلة تقنية قديمة فما بالك باستعادة الصور التي ترصدها وتسجلها محطات الأقمار الصناعية المتخصصة في التجسس و القادرة على رصد مثل ذلك التحرك.
اما نظرية المؤامرة فلم اقراء اي تحليل ذا مصداقية يضعها ضمن تلك الافتراضات العلمية
غير انه تم نشر بعض المعلومات لمصادر تحليلية شخصية وغير ذات صبغة رسميه على الكثير شبكات التواصل الاجتماعي ( لقيت بعض الصدى بسبب عدم شفافية القوى العظمى في تناول الموضوع لا سيما القوى الدولية المالكة لشبكات الأقمار الصناعية العالية التقنيات) حيث اشارت تلك المعلومات الى افترض نظرية ان الطائرة ربما دمرت او اختطفت آلياً نتيجة حرب مخابرات على مستوى كبير بين المخابرات الامريكية والمخابرات الصينية …
وذكرت انه يعتقد انه كان على متن الطائرة عدد من العلماء الصينيين الذين كانوا في طريق عودتهم من زيارة لمناطق في افغانستان وبعض دول المنطقة وكان هدف تلك الزيارة تفحص بعض معداتٍ وتقنياتٍ أمريكية متطورة لطائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار أمريكية كان قد تم اسقاطها خلال الحرب اما في أماكن نائية من أفغانستان تحت سيطرة طالبان او في ايران …
و كان أعضاء الفريق قد استكملو مهامهم الأولية في البلدان التي قامو بزيارتها و كانوا في طريق عودتهم الى الصين مسافرين على متن الطائرة الماليزية بجوزات عادية كركاب عاديون، وذكرت المعلومات انهم ربما كأنو يحملون معهم بعض المعدات والتقنيات الامريكية التي حصلوا عليها من بعض بلدان المنطقة بهدف دراستها والتعرف على اسرارها بتعمق اكثر بعد عودتهم الى الصين …
وذكرت تلك المعلومات ان الطرف الامريكي كان يراقب تحركات الفريق عن قرب و على علم بما حققوه من نجاح، وكان وحريصاً على عدم السماح لهم بتحقيق هدفهم النهائي مهما كلف الامر، ومن اجل ذلك كان ضروريا ان تختفي تلك الطائرة وركابها من على وجه الارض وتختفي معها كافة اسرار ما فيها ومن فيها في حادثة غير مسبوقة ” انتهى نقل ما ذكرته تلك المصادر الغير رسمية وربما الغير موثوقة …
انا شخصياً اعتقد انه في عصر التقنيات التجسسية العالية ومع وجود مئات الأقمار الصناعية التي تلف الكرة الارضيّة و تغطي كل شبر في ارضها وبحرها فأنه ليس من الممكن تصديق انه لا احد يعرف اين اختفت طائرة البوينغ ٧٧٧. وكيف اختفت، حيث انه اصبح من الممكن حتى للانسان العادي والغير متخصص ان يرى بعينيه يومياً كيف تمكن تقنيات التجسس الحديثة من يستخدمها من متابعة راكب دراجة نارية في زاريب مدينة غزة او رجل افغاني يسير حافياً في جبال تورا بورا وتصطاده طائراتها الدرون بصاروخ قاتل كما يصطاد الفلاح العصافير في الحقل ..
ولذلك فانه من غير المقنع ان تدعي تلك القوى العظمى عدم رصدها لجسم معدني ضخم بحجم طائرة البوينج ٧٧٧ خلال طيران ذلك الجسم فوق مسطح مائي مكشوف تتنازع السيطرة علية نفس تلك القوى العظمى، وتجوب مياهه عشرات القطع من أساطيلها الحربية التجسسية) ولذلك فان عدم تقديم القوى العظمى ما يوضح غموض اختفاء الطائرة وعدم رغبة الفرقاء في الإفصاح عما يعلمون من مصير الطائرة المنكوبة يزيد من رصيد مصداقية نظرية حرب المخابرات والتي بدون شك ان ماليزيا هي آخر من يعلم عنها …
كما ان القوى المتحاربة ( ان كان الامر حقيقة ) فبدون شك لن تستطيع الحديث عن الامر بصرف النظر عن نتائج الفوز او الخسارة فالموضوع بمجمله ذا حساسية مفرطة دولياً ، ويمثل ( في حين ثبوته) وصمة عار على أطرافه فائزهم وخاسرهم حيث انه لن يمكن لأي دولة في العالم تبرير إقحام الطيران المدني في مغامرات استخباراتية، اوإقحام دول أخري في حروب ليسوا طرفاً فيها، اوتبرير عمليات القرصنة الجوية والتضحية بالمدنيين في سبيل تحقيق نصر استخباراتي ،
ولذلك فقناعتي ان على الدول العظمى بذل جهد اكبر مهما كلف ذلك الجهد من مال او وقت لاستجلاء حقيقة ما حدث بما يدحض مثل تلك النظرية المفزعة، وبما يلغي مثل ذلك الشبح المخيف من مخيلة جميع من له علاقة بصناعة النقل الجوي ، وان لم تفعل فليس على المتابع الا التعلق بتلك النظرية بانتظار بطل ( ويكيليكس ) جديد ليحل رموز ما حدث وليخبرنا عن قصة الطائرة المختفية .
ومن اجل ذلك ومن منطلق مهني بحت فانني على ثقة تامة بأن الخطوط الماليزية مهنياً بخير، وان سجلها مشرف و ملاحيها وفنييها رجال أكفاء وليس لدى تلك الشركة العملاقة ما تخجل منه او تدافع عنه، فالحوادث امر مرتبط بالطيران و لا تستطيع شركة طيران ان تنأى بنفسها عن إمكانية وقوع حادثة مماثلة او اكثر لطائراتها خصوصاً عندما تكون المسببات خارجة عن ارادتها كما حدث في حادثتي الخطوط الماليزية مثار النقاش ..
ومما يجب التنبه له والتنويه عنه هو ان ما حدث لطائرتي الماليزية لا يجمع بينهما سبب فني واحد أبداً، وكل ما يجمع بينهما هو سؤ الطالع.
اما حادثة رحلة ( شركة اير اسيا الرحلة ٨٥٠١ والتي لايزال البحث جاريا عن ضحاياها وأدلة الحادثة ) فليس له علاقة بحوادث الشركة الماليزية فهما شركتان متنافستان منفصلتان عن بعضهما وليس لمستوى احداهما رابط او تأثير على مستوى الاخرى ، وفي كل الاحوال هذا حادث تحت التحقيق وبداء المحققون في جمع المعلومات حوله ..
ومن المتوقع ان يكون العثور على الطائرة سهل لضحالة المياه التي سقطت فيها والتي يتوقع الا يزيد عمقها عن مئات الأقدام مما سيساعد المحققين على الوصول للطائرة وكشف مسببات الحادثة قريباً، وقناعتي ان اكثر أسباب الحادث ترجيحا هو ما تداولته التحليلات منذ الساعات الأولي من امر وجود عاصفة رعدية شديدة في خط سير الطائرة …
يدعم ذلك ما سجلته المراقبة الجوية من امر طلب قائد الطائرة السماح له بالارتفاع الى علو اكبر لتفادي العاصفة حيث كان ذلك اخر اتصال تم بين الطائرة والمراقبة الجوية، وهذا الحادثة شبيهة الى حدٍ ما بحادث سقوط طائرة الخطوط الفرنسية الرحلة ٤٤٧ في مياه الأطلسي خلال شهر يونيو ٢٠٠٩م والتشابه المؤكد هو من حيث العوامل الجوية ..
(وبانتظار ما يبينه التحقيق ان كان هناك تطابق في الامور الفنية)، كما ان عمق المياه التي سقطت فيها الطائرة الفرنسية كان قد اخر استعادة الصناديق السوداء للطائرة قرابة العامين وبالطبع اخر نتائج التحقيق ( عمق سقوط الطائرة ١٢،٠٠٠ قدم تقريبا) ، و على اي حال فانني أتوقع ان الامر يختلف بالنسبة لطائرة( اير اسيا) وقناعتي انه سيتم العثور على حطام الطائرة اعلان نتائج التحقيق قريباًجداً
لقد كتبت ما سبق في محاولة لإبداء الرأي الذي يحتمل من الخطاء اكثر مما يحتمل من الصواب فهو اولا وأخيراً رأي شخصي او نقل عن مصادر غير رسمية ومن حق اي إنسان مخالفة ما ذكرت ولن أدافع عنه، ولذلك فلن ادخل في جدل مع احد حول اي جزء منه او كله و ارجو ان يكون فيه بعض الإضافة لما سبق مع تحياتي للجميع .
التعليقات
تعليق واحد على "قراءة تحليلية في حوادث الطائرات الماليزية – بقلم الكابتن طيار / سعد بن علي الشهري"
من حيث التحليل الفكري فإن الحوادث مدبره من إيران و ما ضهرت إلى بعد أن خرج ريس وزراء ماليزيا بأن التشيع لادين له ونشروا الايدز وستعانت إيران بروسيا لإسقاط الرحله المتوجهة من استرتدام التي فيها 12 باحث بعلاج الإيدز