.
في موقف قصير وقصة مؤلمة كان بطلها أحد اصدقائي القدامى من محط رأسي النماص ، حينما كنا معاً نجوب شوارع العاصمة قبل بضعة أيام قلائل، فإذا به تسقط عيناه على رب أسره بجانبه أربعة من الأطفال بملابس متواضعة وبسيطة ، حينها أحدق بهم صاحبي متعالياً متقززاً من هذا اللباس الذي يعلوهم ويستر سوائتهم .
الغريب العجيب بأن المشهد لم يألمني في أسلوبه وتقززه ونظرته الدونيه لأحوال بعض الناس المادية فقط ، بل عادت بي الذاكرة لأوضاعه الماديه وملابسه أيام طفولته التي لم تكن أحسن حالاً من هذه الأسرة البسيطة ، فبادرته بنفس اسلوبه التهكمي مذكراً إياه بتلك الأيام الخوالي التي عاشها ، وأيام الفقر والعوز التي عاصرها بمرارة مع رعي الغنم في ظل أجواء شديدة البرودة ، والبحث في الغرف المظلمة عن بيض الدجاج من شدة الجوع ، وتمنيت منه بدل انتقاده أن يكون بادر إليهم وساعدهم بما يستطيع من المال فلا يعلم الانسان أي عمل يدخل به الجنة.
لقد نسي صاحبي القديم ماضيه البسيط الذي عاشه وعشته وعاشه العديد ممن هم في سني وسنه ، فغالبية الشعب ليست من طبقة مخملية أو ذات دخل عالي ، وأفهمته بأنه النعيم الذي يترنح فيه صباح مساءً والذي ساقه الله إليه بعد كدح وعناء والعافية التي ألبسه الله إياها بين جنبيه قد يسلبها الله منه في غمضة عين وانتباهتها ما بين الكاف والنون سبحانه وتعالى.
من وجد خيراً فليحمد الله ، ودع الخلق للخالق فهذه سنة الله في كونه، ولا نشمت ونتكبر بمن هم أقل منا ، فقد يكون هناك فقيراً معدماً يعيش الحياة السعيدة والفرح أكثر من رجل ثري صاحب مال ونفوذ وسلطان ، فهذاك ينام وعينه ملئ بالهناءً والسعادة، وهذا ينام وعينه ملئ بالهم والغم والقلق .
وحينما نتعالى على النعمة .. فحتماً تختل الموازين .
.
التعليقات
تعليق واحد على "حينما نتعالى على النعمة .. حتماً تختل الموازين – للكاتب أ. سلطان غرمان العمري"
كلام صحيح100%وهذا سبب للحقد والكراهية بين أفراد المجتمع الآن!!هناك أشخاص تغيرت أحوالهم اليوم ..لايريدون مجرد ذكرماضيهم بالنظر لمن كانوا أفضل منهم ماديآ ومعنويآ في السابق ولمن كان لهم الشور والدورفي كل شئ ولكن هذا من سنن الله في الكون في الإفراد والدول والقبائل قال تعالى(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )وما علىينا سوى الصبر وتذكر تفاهة هؤلاء وحقارة أنفسهم ثم الدنيا لن تبقى لإحد إلا لخالقها سبحانه وتعالي.