أنعى بكلمات مدادها الدم ، تلك المرأة العصامية التي ضربت بفعلها أروع الأمثال للمرأة المسلمة ، المؤمنة ، الصابرة ، المحتسبة ، فعندما بدأت حياتها الزوجية على بعد آلاف الكيلومترات من مسقط رأسها ، فهي تواصل مسيرة الزواج الهانيء ، والحب الدافيء ، إلى جوار زوج كريم ؛ ليسيران بخطى راسخة وثابتة إلى الأمام ويشقان الطريق إلى مستقبل مجهول ، لاهي ولاهو يعلمان إلى أين سيصل بهما الطريق ؛ إلا أن التفاؤل والعصامية ، والصبر ، أخذتهما إلى شاطيء الأمان بقدرة الله ، فيُرزقان بالأبناء والبنات ، وتزدهر الحياة جمالاً وزينة ” المال رالبنون زينة الحياة الدنيا ” وتتوالى عليهما النعم ظاهرة وباطنة فتزداد مراتبها علواً ويزداد الزوج مراتباً إلى مراتبه ، وكل يوم تشرق فيه الشمس يرتفع مؤشر السعادة في دارهما … لكن هل تُؤمن الدنيا ؟! كلا
بدأت الصراعات بعد اكتمال عدد الأبناء والبنات وتوفر المال والدار ، وكانت الفاجعة الكبرى أن يجني على هذه المرأة اجتهادها في عملها ، وسعادتها في دارها ، فتتلقى رمية من حاسد أو حاسدة ، وتغيّر عليها ذلك المسار ! بدأت تلك المرأة في منعطف جديد مع صراعات المرض وويلات الآلام ، ومع ذلك فهي تحتسب وتصمد وتواصل مسيرة الحياة بتفاؤل المؤمن المحتسب ، تتنقل من مدينة إلى أخرى بحثاً عن العلاج ولم تتنازل قدر أُنملة عن واجباتها تجاه ربها ، أو زوجها ، أو أسرتها ، حتى عملها لم تتركه إلا بعد أن خشيت أن تقصّر فيحاسبها الله على تقصيرها فتتقدم على مضض وتطلب التقاعد ..
مواصلة المسيرة بأداء واجبات الرب والزوج والأسرة والقرابة والصداقة ، ولم تهمل أحداً على حساب أحد ، فشقّ زوجها طريق النجاح ، وحقق الرتب والشهادات ، وواصل أبناؤها وبناتها مسيرة التعليم بدأت تقطف ثمار جهدها بتخرج أكبر أبنائها برتبة ملازم من إحدى الكليات العسكرية ، وبقية الأبناء على نفس المنوال من نجاح لآخر ، وفي الوقت نفسه هي تعاني وتصارع المرض حتى سافرت – مكرهة – إلى خارج أرض الوطن بحثاً عن العلاج والحياة الطبيعية ..
ومع ذلك فهي لم تفرط في أبنائها فاصطحبتهم معها بعدما تكلل نجاح الجهود المضنية في إلحاق زوجها بهم ، وبدأ بصيص الأمل في إمكانية شفائها ، إلا أن الفرحة لم تدم فتأتي الفاجعة الكبرى بخبر وفاة ابنها الأكبر – خريج الكلية – في حادث مروري ! وهي مع ذلك احتسبت وصبرت رغم انتكاس حالتها الصحية فتعود من جديد في برنامج الاستشفاء إلى أن بدأت تتحسن لتقع المصيبة الأخرى عندما تلقت خبر إصابة ابنها الآخر في حادث مروري أصيب على إثره إصابات بالغة ، وتوفي مرافقه ، فتعود الانتكاسة مرة أخرى ..
ثم تحاملت على نفسها وعادت لأرض الوطن مسافرة من منطقة إلى أخرى ؛ تزور والدتها وإخوانها وأخواتها وأقرباءها وصديقاتها ، وتختتم زيارتها لوالدة زوجها التي تنام في العناية في إحدى المستشفيات الكبرى ، وكأنها توادعهم الوداع الأخير ، وفعلاً اشتد عليها الألم والمرض وتمكن منها ، لتأخذ جميع أبنائها وبناتها وتلحق بزوجها في بلد العلاج ، إلا أن المنية أبت إلا أن تنشب أظفارها فينتهي القدر بذلك ” حياة أم و بنت وأخت و زوجة ”
ألا تستحق أن نترحم عليها ، ونستغفر لها ؟! فهي تلك المؤمنة الصابرة المحتسبة !
ألا تستحق أن تلقب بـ ” المـرأة العصامية ” الطاهرة العفيفة الصالحة ؟! حرمُ الزرج الصالح ، الصابر ، المُحتسب .
إنّ من ذكرنا هي المرحومة بإذن الله : عـزة بنت ضيف الله بن رقعان العمري من قرية لشعب ، وزوجها سليمان بن سالم الشهري من آل خشرم . فأحسن الله عزاءنا فيها ، وعزاء أهلها وذويها ، وجبر الله مصاب أمها ، وزوجها وأبناءها وبناتها وجميع أهلها ومن عرفها .. وجمعنا بهم ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة . إنا لله وإنا إليه راجعون
كتبه اللواء متقاعد :
محمد بن حسن بن شفلوت العمري
الرياض
التعليقات
تعليق واحد على "” الـمرأة العصامية ” – بقلم اللواء محمد بن حسن بن شفلوت العمري"
بداية أسأل العلي القدير رب العرش العظيم أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يغفرلها وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنه وأن يبدلها دار خير من دارها وأهل خير من أهلها …نعم كما ذكرت سعادة اللواء كانت المرأه العصاميه الصابره المحتسبه المتوكله على الله .فقدت فلذة كبدها في حادث أليم اﻷبن سالم رحمه الله أثنا مرضها في رحلة عﻻج بالوﻻيات المتحده اﻷمريكيه وصبرت وأحتسبت لقضاء الله وقدره .عانت أم سالم كثير كثير كان وفاتها مصاب جلل واﻷخت عزه صغيرة اﻷسره سوف تبقى دائما وأبدا في قلوب وعيون من أحبها وعرفها اﻷنسانه ذات اﻷخﻻق العاليه والدين والعفه.رحمك الله ياأم سالم رحمة اﻷبرار وأسكنك فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وﻷخيار وأن يجعل ماألم بك من مرض
وألم وتعب وفقدان أبن ومعاناه في موازين حسناتك. أختي العزيزه الغاليه الباره المرحومه بئذن الله تعالى.