قد تبدو فكرة اتحاد بين السعودية وإيران فكرة مستفزة أو خيالية أو يوتوبية، لصعوبة تحقيقها في ظل الأجواء المشحونة والمحتقنة بين الدولتين. لكن الفكرة تستحق التأمل وليست مستحيلة. السعودية بحاجة إلى حليف قوي وإيران كذلك، أو لنقل الدولتان بحاجة ماسة بعضهما إلى بعض، «الآن، الآن، وليس غداً». يجب تحقيق ثلاثة شروط مسبقة قبل أن يتحرك الرفض في الأذهان ونبدأَ تدبر فكرة الاتحاد، الأول: تنحية الخلاف العقائدي جانباً وتحييد التاريخ ولو موقتاً على الأقل. الثاني: تدوين نقاط الالتقاء والتقارب والعوامل المشتركة فقط. الثالث: طرح سؤال مهم: هل بقاء الوضع الحالي وانعكاساته السلبية على الدولتين والشعبين وبقية شعوب ودول المنطقة أمر صحي وإيجابي؟ عندها سنصل إلى نتيجة مؤداها إمكان إقامة اتحاد قوي وصلب وقابل للحياة بين السعودية وإيران سيؤدي حتماً إلى الاستقرار والتنمية الشاملة وخير البلدين.
بحثنا ولم نعثر في الخريطة الدولية على دولة مناسبة أفضل من إيران في جميع النواحي السياسية والجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية. فحصنا اتحاداً مع دول الخليج العربية فوجدنا عبأه ثقيلاً وتماسكَه هشاً. تفكرنا في اتحاد مع مصر فاتضح لنا أن إثمه أكبر من نفعه، لأسباب متعددة من أهمها: ضرورة إعطاء مصر فسحة من الوقت لا تقل عن عقدين من الزمان لتبني نفسها بعد أن أعيتها الزعامة وأفقرها البحث عن دور مركزي ومحوري. وضعنا تركيا وباكستان تحت المجهر فاكتشفنا فايروسات معدية تهدد الكيان السياسي والبناء الاجتماعي السعودي. الاتحاد مع الدول خيار بين أمرين: إما بالون يرتفع بك إلى الأعلى، أو ثقل يهبط بك إلى القاع.
في الشرق الأوسط حدثت ثلاثة تحولات مهمة، الأول: فراغ القوة الذي أحدثه خروج العراق بعد عام 2003، وهو ما حوّل النظام الخليجي من القطبية الثلاثية إلى القطبية الثنائية. الثاني: اختلال موازين القوى والنظام الشرق أوسطي في عام 2011، بعد خروج مصر واضطراب سورية وبقاء السعودية وحدها في النظام العربي. الثالث: تحرك مركز القوة Power Shift نتيجة لما سبق باتجاه الخليج. هذه التحولات زادت الأعباء الاستراتيجية على السعودية، وأصبحت مع إيران اللاعبيْن الرئيسيْن ليس في الخليج فقط بل وفي الشرق الأوسط. في هذه الظروف جاء انتخاب الرئيس الدكتور حسن روحاني ورسائله المنفتحة، بعد فترة من العناد السياسي من عمر الثورة في إيران، وقد يرى بعضهم في ذلك العناد مرحلة ضرورية من مراحل النضج السياسي للدول والثورات والآيديولوجيا. قابلت السعودية التصريحات المتفائلة بتصريحات متوازنة وحذرة بسبب أربع سمات للسياسة الخارجية الإيرانية، الأولى: التذبذب بين تصريحات الرؤساء الإيرانيين المتعاقبين، كل بحسب توجهاته من يمين متطرف إلى وسط معتدل. الثانية: الهوة بين ما يصرح به السياسيون وخطب المرشد والملالي. الثالثة: التباين بين التصريحات السياسية والإعلامية والممارسة على الأرض. الرابعة: تنامي القوة العسكرية والأسلحة الاستراتيجية والنووية بما لا يتناسب مع سلامة النوايا السياسية المعلنة أو حجم الخطر.
وتبعاً لذلك تعاظم الشك وتناقص عامل الثقة في شكل كبير وهو ما خلق أجواء من الحرب الباردة بين القوتين الإقليميتين. في المقابل يمكن النظر إلى هذا الغزل السياسي الحاد والمحتدم كنوع من الاعتراف بأهمية كل منهما والتوق إلى العمل سوياً بتنسيق أكثر وقرب أكبر.
المناخ السياسي الحالي يذكرنا بحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان قادة الدول الكبرى يجتمعون ويفردون الخرائط وينفردون بتقسيم الدول والمجتمعات ومناطق النفوذ، كما يقسم رغيف الخبز، وما أعقب ذلك من انتشار الثورات وسقوط ونشوء قوى وزعامات في أنحاء الشرق الأوسط كافة، وكانت الدول والشعوب حينذاك «مفعولاً بها» ولم تكن تملك من أمرها شيئاً. حتى المنظمات الدولية والإقليمية التي أنشئت في تلك الحقبة شاخت وانتهت صلاحيتها مثل: «عدم الانحياز»، «جامعة الدول العربية»، «منظمة المؤتمر الإسلامي»، «مجلس التعاون الخليجي»، وغيرها وأمست تحتضر. فهل آن الأوان للحكماء في السعودية وإيران أن يأخذوا زمام المبادرة ويجتمعون ويحددون مصالحهم الاستراتيجية والحيوية والحساسة والهامشية على خرائط واضحة ؟
طراد العمري / باحث سعودي في العلاقات الدولية، الشئون الإستراتيجية، دراسات المجتمع الخليجي، شئون العمل والبطالة في الخليج
التعليقات