حينما يتم توثيق الأحداث الهامة في تاريخنا أياً كانت مسافتها الزمانية فأننا نربطها بما يتشارك معها في نفس التاريخ إمعاناً في حفظ ذلك الحدث .
ونحن وبدون شك جزءٌ من الزمان والمكان حتى وإن كنا في كثير من أمور حياتنا على هامش ذلك التاريخ للأسف الشديد . فالتاريخ سيحفظ الأحداث العظام لأصحابها وكذلك سيحفظ التقصير والإهمال لمقترفيه ، وما أجمل أن يقف المرء مع نفسه وقفة حق يريد بها حقاً لا أن يزيف قناعاته من أجل مصلحة ما .
ففي أيام عديدة في أعوام مرت وتمرت حدُث أحداثٌ بل حوادث تحفظها ذاكرتنا وتزخر بها مجالسنا في مختلف جوانب الحياة ،وقد تدونها أقلامنا بقدر ما تقتضيه المصلحة ثم تُطوى في خزانة الماضي المنسي ، لأن هناك حدث جديد ينتظر الشغوفين بقالوا ويقولون وقلنا ، حتى أن بعض تلك الأحداث التي تُطرح على موائد نقاشنا هي نفسها سبب آلام الكثيرين وتعاستهم .
فقبل أيام قليلة تطرق الكثير من أبناء محافظة النماص للحادث الأليم الذي أودى بحياة ثلاثة أبرياء من أسرة واحدة ، وهنا ليس لنا ولذويهم إلا التسليم بما قضاه الله وقدره فلامرد لما أراد ولا مهرب مما قضى ، والتمس للجميع العذر في ذلك الحماس الكبير في التعليق على الحادث الحدث لأنه والله أحال فرحة عيدنا إلى حُزن ..
ولكن المؤلم كذلك أن ذلك الحدث لن يعلق بأذهاننا إلا إن كنا صادقين في أن نُحمل المسؤولية لمن يجب أن يتحملها أياً كان فرداً أو مؤسسة ، فدماء الأبرياء التي تُنزف كل يوم على امتداد هذه الطرقات ليست برخيصة ، وأرواح البشر غالية عند ربها وعند ذويها ولو رمى البعض أخطائهم على القدر ، فالله سبحانه وتعالى لايُقدر للبشر إلا الخير ،فإن كان خيراً فمن نفسه ،وإن كان شراً فمن أنفسنا .
نعم الشر هنا لا يتعدانا إن كان جُهد أيدينا في الإنكار لا تتعدى صم آذاننا وكف أعيينا عن الحقيقة ، والتاريخ سيحفظ لنا سوء تفاعلنا مع مثل هذه القضية إن اقتصر جهدنا على التسخط والتذمر بل يجب أن نتعد بذلك في تحميل المسؤولية للجهات التي يجب أن تتحمل المسؤولية ،
وزارة النقل معنية بكل شبر من طرقات المملكة وبالتالي نحن عينها التي يجب أن تُراقب كل مقاول فاسد لميفِ بكل ما أوكل إليه . ونحن عين وزارة الداخلية على سلامة الأرواح إن كانت الجهات المعنية بالسلامة في سبات عميق ، وكذلك الأمر بالنسبة لغيرها من الجهات التي فرطت في الأمانة التي أوكلت إليها .
القارئ لتاريخ أوروبا على سبيل المثال يجد مدى السوء الذي وصلت إليه في قرون عدة من تاريخها في شتى مجالات الحياة الأمر الذي استوقفها كما أستوقف اليابان وماليزيا وغيرها الكثير ممن ذاق مرارة الجهل وطعم التخلف فانتفضت لتسن القوانين والأنظمة والتشريعات التي سيرتها للتطور والنهضة ، وليس معنى ذلك أن نصل إلى ما وصلوا إليه لكي ننهض من سباتنا .
ندندن دائماًعن الغرب واحترامهم للقوانين والأنظمة ولا يعلم الكثير منا أنهم لم يصلوا إلى ذلك إلا بعد أن تم الأخذ على أيدي المتهاونين في احترام القوانين منهم وعلى رأسهم من يتقلد المسئولية ، حتى نشأ جيل تربى على احترام النظام وتقديس القانون ، فكيف إن كان ديننا ودستور حياتنا أعدل قانون على وجه الأرض .
يجب أيها الأحبة أن نضع حداً للتهاون ، وأن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ، ففي هذا الحدث تحديداً نقول لوزارة النقل وبكل إنصاف أصبت في كثير من مشاريعك ولكنك أيتها الوزارة أسأت في مشاريع كثيرة أيضاً بغضك النظر عن مقاولين ليسوا على قدر المسؤولية والأمانة التي أوكلت إليهم ، وما يعنينا هنا مشاريع محافظتنا الغالية ( ازدواجية طريق أبها الباحة، عقبة النماص التي تجاوزعمرها الخمسة عشر عاماً ، طريق الحدب ،وغيرها الكثير)
ونقول كذلك لإدارة المرور أنك اختزلت دورك وللأسف في تغطية الحوادث بعد وقوعها وليس الحد من وقوعها عن طريق تكليف لجان هندسية متخصصة في رسم احتياج طرقات المحافظة العامة والفرعية بما تتطلبه طبيعة التنمية من طرق وشوارع فرعية مساندة للحالية ،
وكذلك الأخذ في الاعتبار بأن النماص لم تعُد تلك المدينة النائية بل أصبحت محافظة حيوية في ريعان شبابها الذي أخشى أن تطاله الشيخوخة المبكرة بسبب التهاون في الحد من الحوادث بسبب ضعف الرقابة، ووضع وسائل الحد من السرعة ومراعاة التقاطعات والتفرعات والمنحنيات الخطرة ، لماذا ننتظر الكوارث لتكون بداية الحل لأي مشكلة ؟
لماذا تبقى مطالبات الأهالي بوضع حد للسرعة داخل المدينة حبيسة أدراج المرور لسنوات وسنوات دون اكتراث ؟ لماذا يضطر المواطن للركض هنا وهناك للحصول على مكرمة من مدير إدارة في النظر إلى طلبه المنطقي والمتواضع ؟ لماذا نضطر للعرض على فلان للتكرم بالرفع لفلان ثم لسعادة فلان حتى تصل لمعاليه الكريم من أجل النظر لطلب العبد الفقير ؟
ولماذا نبدأ الطلب عادة في أي خطاب بالمدح والثناء وطلب الترحم من سعادته للنظر والتوجيه والتعميد لأمر هو من بدهيات الحياة الكريمة التي كفلها الدين قبل الوطن ؟ ولماذا نبحث عن دهاليز العلاقات الخاصة وأزقة المعارف والأصدقاء لنلج منها لقلب معاليه في ساعة صفاء ليتكرم بإدراج ذلك المشروع في قائمة الانتظار بغض النظر عن موعد التنفيذ .
ومتى يعلق المشائخ والنواب مشالحهم وينطلقون بصوت واحد للمطالبة وعقد اللقاءات والورش العملية كما ينطلقون في كامل أناقتهم للتسابق على مقعد في أول الصفوف ؟
ومتى نغلب العقل على النعرات والمصالح العامة على الخاصة ليصل صوتنا صافياً إلى أعلى أذن ؟
ومتى نجد إداراتنا تنفيذية بعيدة عن البيروقراطية والروتين الممل ؟
وماهو السقف الزمني لتحقيق الرؤى المستقبلية التي تُعلن عنها كل مؤسسة حكومية ؟
بل لماذا لا يُستفاد من أسلوب الإدارة في أكبر شركة للطاقة في العالم أرامكو فإدارييها التنفيذيين من بني جلدتنا كما هم وزرائنا ونوابهم .
لكن البون شاسع بين الإثنين .
والجواب على كل تلك الأسئلة : هو بدهي أيضاً لأنه عند غياب الحس المسئول عند المسئول نصل لتلك المراحل ، وعند غياب الرقابة والمحاسبة يحصل كل ذلك التقصير ، وإني على قناعة كبيرة كغيري من شباب الوطن بأن صاحب الصلاحية الأول في هذا البلد لا يرضى بأن نصل لتلك المرحلة من عدم العدالة في تنفيذ المشاريع التي هي حقٌ للقرية النائية كما هي حقٌ للعاصمة ، فهذا مواطن وذاك مواطن ، وهنا أيها المسئول روح كما هناك أرواح .
شباب ورجال النماص المخلصين .. متى نوحد الجهود للمطالبة الجادة بتطوير شامل لكل مرافق هذه المحافظة بعيداً عن نزواتنا ومصالحنا الخاصة ؟ صدقوني لن يتحقق لنا ذلك إلا إذا رسمنا بآمالنا نماص جديدة ننقُشُ على بوابتيها الشمالية والجنوبية – في مثل هذا اليوم كنا …..
التعليقات