الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

جعلوني مجرماً ! – للكاتبه أ. ثريا الشهري

جعلوني مجرماً ! – للكاتبه أ. ثريا الشهري

 

 

أربعة شبان في تجمع بالشارع مع موسيقى تصدح من السيارات، طارت بهم الحماسة فوقفوا على سيارتهم يرقصون، فظهر منهم من تحرر أكثر فخلع ملابسه، ليتم القبض عليهم ومحاكمتهم بعد انتشار فيديو لهم في مواقع التواصل الاجتماعي. صدرت الأحكام بالسجن 10 أعوام و2000 جلدة، وغرامة قدرها 50 ألف ريال في حق الشاب الذي رقص عارياً، غير الثلاثة المدانين الذين راوحت أحكامهم بين 7 أعوام و1200 جلدة للشاب الثاني، و3 أعوام و500 جلدة للمتهمين الآخرين.

 

فهل تتناسب الأحكام مع ما قام به الشباب «المراهق» على رغم استنكارنا لفعلتهم المنافية للقيم والآداب والأخلاق العامة؟ هل راعت الأحكام طيش هؤلاء وغفلتهم وحبهم للظهور بمنظر مختلف استعراضاً وجذباً لانتباه المارة؟

 

وهل فعلاً تلك الأحكام بعدد أعوامها وجلداتها كما تناقلتها وسائل الإعلام على أنها عقوبة الرقص بلا ملابس على سيارة، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وفي المسألة ما هو أقوى؟ لأنه لو كانت العقوبة بهذه القسوة على ذلك الفعل التمردي الجاهل، فالقاضي ولا شك بالغ في تقدير الموقف! وللعلم بالشيء، ووفق ما بيّن مقطع الفيديو،

 

فالشاب الذي قاد وصلة الرقص احتفظ بملابسه الداخلية. باختصار، هو استهتار شبابي في التعامل مع آداب الفضاء العام في مقابل صرامة حادة للتفريط بهذه الآداب، وما بين الاستهتار والصرامة لا بد من خطوات تدريجية تنوب عن القفز مرة واحدة في الحكم.

 

يقول أوسكار وايلد: «لكل قديس ماضٍ، ولكل مخطئ مستقبل»، ويعني أن من اهتدى مغلباً إرادته على هواه، يكون تراجع بعد أن عاش حياته الصاخبة الحافلة بالأخطاء والذنوب. الأمر الذي يقودنا إلى أن لكل مخطئ فرصة قد تحملها له أيامه القادمة كي يتوب هو أيضاً ويعود إلى فطرته السليمة، فكم نسبة الأمل في إصلاح حال هؤلاء الشباب وهم خلف قضبان السجن مع أصحاب سوابق قد تفوق الواحدة منها بكثير سابقة الرقص عارياً؟ ثم ماذا عن 2000 و1200 جلدة؟

 

من يتلقى هذا العدد من الجلدات ولا يشعر بانحطاطه وحقده على المجتمع الذي ارتضى له مثل تلك العقوبة؟ فقبل أن نحاكم هؤلاء الشباب، لا بد أننسأل عن السبب الذي دفعهم إلى فعلهم المخل في الطريق العام! وهذه هي طبيعة الإنسان المتمردة، فأحدهم يرقص احتجاجاً، وآخر ينعزل ولا يبالي وأيضاً احتجاجاً، وقد يعتقد هؤلاء الشباب أنهم برقصتهم كانوا يعبرون عن سعادتهم، والأوقع أنه تنفيس عن غضب مكبوت تنكر في زي الرقص والعربدة حتى لو كان رقصاً للرقص بذاته

 

فهذا وارد مع شباب ضيّع البوصلة مع حيويته الفائضة. فماذا عن النوادي الرياضية التي هيأتها الدولة في كل مناطق المملكة؟ وماذا عن تنوع أنواع الرياضات وتوفير المدربين لامتصاص طاقة شبابنا وتوجيهها إلى بوابة الأولمبياد والمسابقات؟ ماذا عن صالات العرض السينمائية التي سمحت للناس بارتيادها؟ ماذا عن الثقافة العامة – ابتداء بالبيت – في تصريف أوقات الفراغ؟ ثم ماذا عن أصولنا في تربيتنا أولاً وأخيراً ؟

 في مطاردة الهيئة لشابين في سيارة اشتبه بزجاجها المظلل، واللحاق بها بسرعة فائقة و« دعمها » والتسبّب في وقوعها من أعلى الجسر وموت من فيها – مع هذا كله – قيل لا تستعجلوا في إدانة « الهيئة » قبل المحاكمة، من غير انتفاضة الغيورين للدفاع عن المتهمين، وكأن المهم خروجهم من ورطتهم وليس تبرئتهم أمام الله وحده.

 

والسؤال : أيهما أجرم ؟ قتل الشابين أم الرقص على ظهر سيارة بملابس داخلية ؟
فلمَ تعالت الأصوات المدافعة في الأولى، وهي الجريمة الأوقع بجنحتها الأوضح 
ولم تستنكر الحكم في الثانية في شباب ستدمر أحلامهم وآمالهم وكرامتهم مع أحكام لا تتناسب وحجم جرمهم؟ نعم .. ما فعله الشباب لا يرضى عنه عاقل في مجتمع حضاري، فما بالك بمحافظ متشدد ! ولا أقول إن هؤلاء الشباب لم يستحقوا العقوبة جراء فعلتهم التي سودت وجوه عائلاتهم ولطخت أسماءهم، ولكن ماذا عن أية أحكام بديلة في خدمة المجتمع كان باستطاعة القاضي تأديبهم من طريقها ؟

 

يقول جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه: «كنا غلماناً حزاورة «في سن البلوغ» مع نبينا صلى الله عليه وسلم، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً. وإنكم اليوم لتعلمون القرآن قبل الإيمان». ولقد تعودنا في مناهجنا الدراسية أن نقرأ مفردة التربية قبل التعليم، ذلك أننا نربي قبل أن نعلم، فإذا تعلمنا ازددنا بالتربية علماً، وعلى اعتبار أن لكل قانون روحه، ولكل تهمة حيثياتها وظروفها، فهل بالإمكان نقض هذا الحكم وتخفيفه حتى يسنح للشاب العودة عن خطئه قبل اشتداد عوده في السجن، والتغذي على سِير الإجرام والمجرمين ؟

 

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *