السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢١ شوال ١٤٤٦ هـ

العَرب وأغْلال التَبَعيّه. – بقلم الكاتب م . ناصر آل عثمان العمري

العَرب وأغْلال التَبَعيّه. – بقلم الكاتب م . ناصر آل عثمان العمري

 

ثارت العقول على الكنيسه عندما كانت التبعية لها قديماً تُوْرِثُ الدَعَة والجهل فكانت الليبرالية العِلّمِيّة والعلمانية الديمقراطية خياراً للشعوب الغربيه, ولو اختلفنا معهم في المضامين أو كرهنا شيئاً من التفاصيل, إلا أن العقول الغربية حين أرادت أن تنفض عن أطرافها غطاء التبعيةّ الممقوتة اهتدت إلى هذه السُبُل, فظهروا لنا من حضيض الأرض لنراهم الآن على عرش الوجود حيث ليس لنا “نحن العرب” أي وجود, وبقينا على هامش الحياة  في باحات الاستهلاك و الانشغال بأخبار السياسات الداخلية, أو تمجيد القبليّة الجاهلية تضليلاً وإذلالاً لأمةٍ خلَّد التاريخ الماضي أمجادها وعزف عن ترَّهات حاضرها وأخبارها, إنها تبعيّةً لم نخرج عن حدودها بعد, وبوتقةً لازلنا ندور في محيطها مُكرهين على تجرع غصص الخوض في معترك الماضي, وكأنني بماضينا يقول لنا صباحَ مساء” أنا يوم الأمس وأنتم أبناء اليوم.. فلماذا لا تصنعوا تاريخ الغد!”.

 

لقد أنشأ الغرب على أنقاض حضارتنا التي دمّرناها بأيدينا, قواعداً متينة على أطلال ماضينا ليقول لنا “أيها العربي ماذا تُريد؟”  نعم قالوا هكذا؛ لأننا ضيعنا تراث ابن سيناء وابن حيان وغيرهم, واستبدلناها بمهرجانات اللهو والغناء حتى قال شاعِرنا محمود غنيم رحمه الله:


إني تذكرتُ والذكرى مؤرقــة ٌ *** مجدا ً تليدا ً بأيدينا أضعنــــــاه ُ
كم صرَّفتنا يد ٌ كنا نـُصرِّفهـــا *** وباتَ يملكنا شعـبٌ ملكنــــــــاه ُ


نحن أمةً لوجودها سبب, ولتحقيق ذلك السبب يجب أن تُرسم الأهداف والخطط وتُنشأ المؤسسات والهيئات والمصانع والجامعات, لكننا وللأسف أمةً تعيش على أنقاض الأمثال القديمة, ولا تسمح للعقول الفتيّة أن تقول ما لديها.. لذلك نحن أمةً مُكبَّله بأغلال التبعيَه, لقد ظلمنا أنفسنا فتخلّفنا عن ركب الوجود بسبب وابلٍ من الخُطب التي لا تحمل في طياتها غير ذكرى الآخرة بعيداً عن صناعة الحياة وعمارتها وتحقيق الأمجاد على صفحاتها.

 

إننا ضعفاء على كافة الأصعدة والمستويات لأننا لا نسمع على المنابر مع خُطب الوعظ والإرشاد الديني خُطباً تدعوا شبابنا إلى العمل في المصانع ومجالات الإبداع والاختراع وترجمة المؤلفات وقراءة الواقع وبحث أسباب القوة وجلبها ودفع عجلة التنمية وتشجيع الفتوّه, وسوف نبقى متأخرين لأننا نتلقى جرعات الجهل بأسباب الرفعة في الدنيا على مستوى الأفراد, بينما يجيد المتصوفون إجبارنا على الإنصات إلى خُطب الرضا بالواقع دون تحليل مضمونه أو قراءة تفاصيله أو الإسهام في تعديل فقراته.. فقط لأنهم امتلكوا عواطفنا.

 

 لقد فشل العرب في تمييزهم بين الخطاب العاطفي وبين الخطاب العقلاني, حتى أصبح العقل العربي عاطفياً, لا عقلانياً متزناً ولا جاهلاً خامدا, ونتج عن هذا حروباً مستمره فيما بين العرب؛ لأنهم لم يهتدوا إلى تحكيم العقول بعيداً عن العواطف, ولم يعتادوا على مخاطبة العقول التي هي مكامن الإرشاد والفقه بالواقع بعيداً عن العواطف التي تجرهم إلى تحقيق أهداف الأعداء من حيث لا يعلمون, لم يحصد الإنسان العربي بعد أن أضاع مجد ماضيه وعاش خيبة حاضره جرّاء هذه الفلسفة الحياتية التي سردنا بعض ملامحها إلا أفكاراً مُعطله, وعقولاَ مُجمده, وينابيعاً للمعرفةِ ملوثةً.

 

نحن أمةً لديها كل مقومات السياده لو فَقِهنا, فنحن مأمورون بالتنوير عَبْر رسالة ” اقرأ” ومدعوون إلى تأمل الوقائع والآيات والأحداث عبْر خطاب ” ليتدبروا” ومُطالبين بإعداد القوه والتجويد والإتقان في رسالةٍ ضمنيه واضحة التفسير مفادها “وأعِدّوا” ولتستقيم أمور الدنيا أرشدنا فقال جل في عُلاه “وأعدِلوا”؛ لأن التنوير مع الفقه والبصيرة حِكْمَه, والحِكمة مع القوةً والعَدْل ركائز حياةٍ شريفه وعِزةً كريمه وهيبةً حكيمه, تؤدي إلى رِفعةٍ وتطور لا يُستثنى منه أحد, ولكن دعوني أعود إلى الواقع الحقيقي للأمة العربية قبل ثورات الربيع العربي, هل كنتم تسمعون غير خطاب “اسمعوا وأطيعوا؟” لقد آمن بعضهم ببعض الكتاب وكفر ببعضه, ليس لشيء إنما تعبئةً لمنهج التبعيّةَ الممقوته, وتوثيقاً لأغلالها.

 

ليت العرب يفقهون درساً عرفه الغرب بعد حقبةٍ زمنيه ليست بقصيرةً ملؤها حروباً داخليه وقتالاً شرساً راح ضحاياه الكثير من الأنفس البشرية والبنية والتحتية وما إلى ذلك, لقد اكتشفوا بعد هذا كله بالإجماع أن الحرب والتشرذم شتات وأن السِلم والتطور قوّه, بينما الإنسان العربي لا زال يؤمن إيماناً فردياً بمقولة “فَرّق تَسُد” سيادةً وهميّةً مكذوبة, مصالحها فرديه, ومساؤها ماحقةً ساحقه, هلكت بسببها أمتنا العربية… وليتهم يبحثوا لأنفسهم “العرب” عن حلولاً لفك أغلال التبعيّه فقد تحرر الغرب من أغلالها منذ زمن, وصار نجماً لامعاً عَبْر حلولاً جماعيّه, وتضامناً روحه عقولاً فتيّه.

التعليقات

تعليق واحد على "العَرب وأغْلال التَبَعيّه. – بقلم الكاتب م . ناصر آل عثمان العمري"

  1. الحرية ،، أعطني حريتي و أطلق يداي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *