التعاون واجب إيماني ومطلب إنساني عظّمه الله سبحانه وتعالى في قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى)، وقال الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ). ما تم تداوله من جهود بذلت لإطلاق سراح القاتل والمفترض أنه دفاع عن النفس، والقاتل وهو أحد أبناء قبيلة الكلاثمة وما آلت اليه هذه الجهود المباركة من نجاح في بث روح التعاون بين قبائل محافظة النماص وسرعة الاستجابة لجمع المبلغ الطلوب والذي قدر بمبلغ (6) مليون ريال، ثم بجهود شخصية مخلصة من الشيخ عبد الله بن علي شيخ الكلاثمة والأستاذ فراج بن غرم بن متعب تم تخفيض الملغ الى (4) ملايين ريال مع أصحاب الشأن، وكان صلح متوازن بين كل الأطراف، وإطلاح سراح القاتل ليعود لبيته وأهله.
وعتق الرقاب له عدة حالات هي: كفارة لليمين – وفي الظهار – وفي الجماع في رمضان – والقتل الخطأ، ما عداها لا يدخل في عتق الرقبة، وما حدث في العفو عن القاتل في القضية مدار البحث هو صلح وإطلاق سراح سجين، والقرآن الكريم يحث على الإصلاح بين الناس، قال تعالى : ( والصلح خير )، والصلح يقطع دابر الفتنة وينهي الخلاف والعاقلة تساهم في دفع المبلغ المتفق عليه للعفو والصفح وإطلاق سراح السجين، والعاقلة يمكن أن تكون من ذوي القرابة أو القبيلة أو ذوي اليسار من أهل الخير، لكنه لا ينطبق عليه عتق الرقبة كما ورد في القرآن والسنة.
وقد تم تداول هذه الحادثة من البعض بأن المبلغ المدفوع ينطبق عليه شرعا عتق الرقبة وهذا غير صحيح، فالعتق للعبد من الرق بمبلغ يتفق عليه مع المالك لهذ الرقيق، والحمد لله لم يعد هذ الرق معمول به في المملكة العربية السعودية، وقد نشب بين الطرفين مدار البحث خصومة وتشابك بالأيدي مما أدى إلى قتل أحدهما للآخر، وفي الحديث الشريف: ( القاتل والمقتول في النار ) فقيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول، قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه) وإذا اصطلحا الطرفان أصحاب الشأن فهذا أمر موافق شرعا وعرفا لإنهاء الخصومة وإطفاء الفتنه.
القصاص في الحدود ضرورة من ضرورات الحياة واستمراريتها، واستقرار المجتمع قال تعالى: ( ولكم في القصاص حياة يا أول الألباب لعلكم تتقون )، ومن تعمد قتل مؤمن فجزاؤه كما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالى: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )، وهذا أشد من عذاب فرعون لحرمة دم المؤمن.
وإقامة حد القصاص في القتل يحد من ظاهرة القتل وإزهاق النفس المؤمنة، وهناك ما يسمى (تجارة البشر) وتسمى أيضا تجارة الدماء من قبل الوسطاء والمحامون وتستغل هذه المواقف في طلب العفو عن القاتل بفدية قد تصل الى 60 أو 70 مليون ريال وقد تزيد وتنقص نزولا عند رغبة الوسطاء آكلين لحوم البشر والله المستعان. ومن يشفع في حد من حدود الله يأثم كما ورد الحديث الشريف عندما سرقت المخزومية فشفع فيها أسامة بن زيد فغضب الرسول عليه الصلاة والسلام كما ورد في الحديث: ( اتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
فيا تجار دماء البشر اتقوا الله واعلموا أن إقامة الحدود فيها الحياة للناس جميعا، والمبلغ المقتطع من التعويض المعروض على وسائل التواصل الاجتماعي ليس مباحا وهو حق لأصحاب الدم، وأخذه يعد ظلما ومن يأخذه فهو آثم والمال المستقطع يعد سحت، والله المستعان. قبل الختام: اللهم احفظ بلد الحرمين الشريفين قيادة وحكومة وشعبا من كل سوء ومكروه.
التعليقات