هذا العنوان عبارة عن تصريح تحدث به سفير بريطاني سابق بقوله “العقل العربي فارغ مقارنة بنظيره الصيني” مع ندمه على تعلم اللغة العربية التي بات يتقنها باحتراف. وبالنظر إلى هذه العبارة بإنصاف وموضوعية فحديثه عن العقل العربي جدير بالمناقشة وطرح جملة من التساؤلات:
– هل العقل العربي فارغ حقيقةً ؟.
– ولماذا اللغة العربية ليست ذات أهمية حتى يرفضها ؟.
اللغة لأي مجتمع هي إحدى ركائز الهوية وأهمها على الإطلاق، وبالتأمل في أحوال المجتمعات العربية بالعموم نجد لديهم نفوراً من لغتهم الأصيلة “العربية”، لتحل اللغات الأخرى الإنجليزية والفرنسية بديلاً عنها، ناهيك عن اللغة الصينية التي يبدو أنها في الطريق لتأخذ مكان اللغة العربية كلغة عالمية تتحدث بها معظم شعوبنا العربية، فلا عجب من نفور غير العرب من لغتنا إن كان أهلها هم أكثر الرافضين لها.
هذا الحديث من الديبلوماسي والسفير السابق لم يأتي من فراغ، فهؤلاء القوم لا يجيدون النفاق أو المجاملات كما يجيدها العرب، وهذا التصريح له مدلولات كان ينبغي الوقوف عندها، ومناقشتها، لرصد الملاحظات ومعالجتها، فقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه “رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي”.
يبدو أن مجرد مناقشة العقل العربي للقضايا من المحظورات لدى جمهور أهل العلم من فقهاء الشريعة، وأهل الثقافة والأدب، لتقديس المنقولات دون غيرها حتى لو اعتراها الكذب والضعف أو كانت مجرد قصص وروايات تاريخية موضوعة، ماعدا أهل الاختصاص الذين يهتمون في العالم العربي بموضوعات الفلسفة والعلوم العقلية.
فهم النصوص من الكتاب والسنة فهماً عميقاً موضوعياً يتطلب إعمال العقل السليم، والايمان بصحيح المنقول، فلا تعارض بين العقل والنقل سوى عند الجهال الذين ضلوا قديماً وأضلوا معهم غيرهم ولم يحيطوا علماً سوى بالمقروء من تراث السلف بلا تمحيص، ليقتدي بهم من خلفهم دون أدنى بحث، أو مطالعة، أو استقراء، أو نقد، بل جعلوا أسلافهم معصومين من كل خطأ حتى غلب المنقول على المعقول وجعلوا مجرد التفكير وإعمال العقل خطيئة تستوجب التوبة وطلب الغفران.
العقل العربي الجمعي لم يستطع فهم النصوص الفهم الصحيح، لأن المحفوظات لدينا هي الأساس، رغم أن مرتبة الحفظ هي أدنى المراتب كما يذكر بلوم في هرم المعرفة، لهذا نجد تقديس المفاهيم بقضية الحفظ لتكون أعلى المراتب وفق معتقداتنا، كجمعيات تحفيظ القرآن الكريم على سبيل المثال لا الحصر، فكلمة الحفظ والتحفيظ تلاحقنا حيثما كنا، ولم نصل لمرتبة الفهم التي تعلوها مرتبة فضلاً عن بلوغ مرتبة التطبيق والتقويم والتحليل والابتكار والابداع، فالعقل العربي فارغ حقيقةً من كل هذه المراتب العليا التي سبقنا بها القوم الذين أعملوا عقولهم ولم يصادروها كما فعلنا فكانت الغلبة لهم في التقدم بشتى أنواع الحضارات.
تجدر الإشارة بأنه عندما يتم الإساءة للمقدسات الإسلامية، أو الذات الإلهية، أو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو القرآن الكريم من غير المسلمين نجد ردود أفعال المسلمين غير منضبطة يظهر فيها التخريب والشتم والسب وغيرها من ردود الأفعال الأخرى التي لا تمت للإسلام بصلة والعلماء صامتون حيال الحدث كدليل على الموافقة بدلاً من التداعي لبحث المسائل ومناقشتها وطرح التساؤلات وكيفية معالجتها بكل الطرق والوسائل لرفع الجهل بالإسلام عن غير المسلمين ودعوتهم إليه عن طريق العقل بالحوار والمناقشة والمجادلة بالتي هي أحسن، لذلك رد الفعل السالب منا حتماً سوف يكون له تأثيرات سلبية عندما نرد السيئة بمثلها، وسوف يكون الأذى الصادر منهم أشد وأنكأ عندما يرون أنهم قد استطاعوا تنفيذ مخططاتهم باستفزازنا واغاضتنا وإيلامنا.
ما أود قوله، هو استنهاض العقل العربي للتفكير والتأمل والتدبر في كل شؤون الحياة للحاق بركب الحضارة، فالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية تزخر بهذه المفاهيم التي لم تحظى منا بالاهتمام، فالفكر العربي لا يزال دون المستوى، والذي يستدعي من ذوي الاختصاص وأهل الحل والعقد التفكير جلياً بإنشاء مراكز وبيوت للفكر ومقرات مناسبة له بكل المناطق، لشحذ الهمم للحوار البناء والمناقشات وإعمال العقل، والمساهمة من تلك الجهات بتشكيل مقرراته، ليتم تدارس كل القضايا التي تتطلب الفكر من خلاله، لإصدار القرارات حيالها بموضوعية، لبلوغ الأهداف المرجوة لتحقيق الرؤية بمشيئة الله تعالى.
التعليقات