يبدو أن قرار وزارة التعليم قبل عامين باعتماد الفصول الدراسية الثلاثة في كافة المراحل التعليمية لم يجد قبولاً لدى معظم الجهات المستهدفة بهذا القرار “الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور” يظهر ذلك جلياً من خلال كثرة الضجيج الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خلال الأيام الماضية، أو عبر الاحتجاج الصامت الذي وصل إلى ذروته بالتغيب المقصود عن الحضور للمدرسة بعد انتهاء الفصل الدراسي الثاني.
قرار جريء وحاسم وقوي صادر من وزارة التعليم بشكل فوري دون اتخاذ خطوات تمهيدية قبل الشروع في تنفيذه باستطلاع وجهات النظر للجهات المستهدفة، أو عبر التجريب لعدد من المدارس المختارة بصورة عمدية مقصودة في عدة مناطق قبل تعميمها لاحقاً بعد نجاح التجربة، أو من خلال اجراء مسوحات بحثية للمختصين، أو باستكتاب الكتاب والمثقفين والتربويين، سوف يكون من الطبيعي إحداث صدمة قوية لدى المستهدف به ويكون له عواقب تؤدي لانخفاض مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب في نهاية المطاف.
عند النظر لقضية الفصول الدراسية والمدى الزمني الذي يستدعي حضور الطلاب للمدارس نلحظ عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية يمكن أن تؤثر على مستوى التحصيل الدراسي ايجاباً، فالفترة الزمنية للدراسة خلال الفصلين تبلغ 180 يوماً خلال العام الدراسي، أما الفترة الزمنية للفصول الدراسية الثلاثة فتبلغ 185 يوماً دراسياً، حيث نرى تساوي الفترة الزمنية تقريباً في المدة التي تستدعي الحضور للطلاب وانتظامهم في المدارس.
لا يساورنا أدنى شك في حرص وزارة التعليم عندما أصدرت هذا القرار، فقد كانت تهدف لرفع جودة التعليم، واختصار فترة الاجازة الصيفية في مدى زمني لا يتجاوز 60 يوماً للحد من التجاوزات والعبث التي كانت تحدث سابقاً نتيجة الفراغ لدى طلاب المدارس المراهقين وينتج عنها مشكلات أمنية في الطرق والشوارع والمنتزهات …الخ.
لكنَّ الواقع يشهد تدني مستوى التحصيل للطلاب خلال هذين العامين من خلال عدة شواهد لعل أبرزها كثرة الغياب لدى الطلاب أثناء أوقات الدوام الرسمي، فترات الانقطاع عن الدراسة خلال الاجازة المطولة، الاجازات الرسمية كاليوم الوطني، يوم العَلَم، يوم التأسيس، إجازة نصف العام، إجازة المواسم في شهر رمضان أو الحج.
لوحظ أن زيادة فترات انقطاع الطلاب عن الدراسة أدَّت إلى تدني مستوى التحصيل الدراسي، والتي تُشعر الطالب بأن التمتع بالإجازة هو القاعدة والأساس وأن التعليم طارئ عليها، ناهيك عن كون كثرة الاجازات يترتب عليها ضرورة استعادة المعلومات والمعارف السابقة التي قد تذهب إلى غير رجعة من أذهان الطلاب عند انقطاعهم عن الدراسة.
ربَّما قد يترتب على هذا القرار في المستقبل نتائج كارثية كما حدث من قبل لأكثر من عقدين من الزمن عندما تم اعتماد التقويم المستمر كطريقة بديلة للاختبارات التحصيلية للمرحلة الابتدائية وكانت نتيجته انخفاض مستوى التحصيل الدراسي بشكل هائل وملحوظ على الطلاب، وأدَّى إلى التعثر الدراسي في المراحل الدراسية العليا لاحقاً.
ما أود قوله، بأن يتم البدء بدراسة بحثية مستفيضة حول هذا القرار من قبل وزارة التعليم، على أن تأخذ رأي كافة أطياف المجتمع في الحسبان أثناء الدراسة، وتبحث إيجابياته وسلبياته، ونحن على يقين بأن نتائج تلك الدراسة سوف تنتهي بضرورة العودة للفصلين الدراسيين، مع إلغاء الاجازات المطولة، لكي يظل الطالب على اتصال وثيق بالمعارف والمعلومات والمهارات التي يكتسبها خلال الفصل الدراسي.
التعليقات