يقال في الأمثال أن الإنسان اجتماعي بطبعه، يتفاعل مع محيطه، يأخذ ويعطي، وهي مقولة ليست بالإطلاق على علًاتها، بالرغم من كونها الفئة السائدة، إلا أن الإنسان له القدرة متى شاء أن ينكفئ على نفسه في هدوء ويشغل وقت فراغه بالمفيد بعيداً عن ضوضاء الصداقات المزيفة والتعارف في الواقع الوهمي الذي تضج به وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.
وفي الواقع المشاهد يمكن تشكيل مجموعة الرفاق الذين تجمعهم الصدفة أحياناً فرادى أو جماعات دون سابق معرفة بهم، وعلى غير تجانس بينهم في العمر أو حتى المكانة، ولسان حال هؤلاء يقول نحن معك فلن تبقى وحيداً، فالدخول في هذا العالم سهل سيما إذا اقترن بمعسول الكلام والثناء الجميل الذي لم يجده بين أهله وأسرته، فينساق إلى حيث مكان اجتماعهم بالمقاهي والاستراحات والمخيمات والمنتجعات في غفلة من أولياء أمورهم الذين تركوا الحبل على غاربه لا يسألون عن أبنائهم أين يذهبون ومن يصحبون.
هذا المقال على أثر الحملة الأمنية القائمة حالياً التي تستهدف مكافحة المخدرات، وهي القضية التي تعاني منها كل أمم الأرض لما تسببه من أضرار جسيمة على الفرد والأسرة والمجتمع بشكل عام.
بالاطلاع على أحدث الدراسات البحثية في هذا الشأن بإحدى البلدان العربية والذي استهدف عينة عشوائية من المجتمع وقعت ضحية لهذه الآفة، تناولت فيها الدراسة محاور عديدة منها، دور الصديق في التعاطي، المعرفة بخطورة هذه الآفة، ممارسة التدخين، الأعراض الانسحابية، اللجوء للاقتراض، التهديد والابتزاز، التخفي عن الأهل، التأثير على الدوام، التفاعل مع المجتمع، ترك الأوامر الدينية، وعدد من المحاور الأخرى لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال المقتضب.
وبعد تحليل تلك المحاور وصفياً اتضح جلياً أن السبب الأبرز للدخول في هذا العالم المجهول وبنسبة مرتفعة بلغت 93% هم الأصدقاء، وهذا يجعل اختيار الصديق أمراً محفوفاً بالمخاطر، سيما أن فئة المراهقين هم الأسرع تأثراً بما يشاهدونه عبر مواقع التواصل لفئة المشهورين من محتوى جاذب يستهويهم، ويجعل منهم فريسة سهلة دون أن يدركوا خطورة التواصل معهم أو إدراك حقيقة الجهات الداعمة لهم ومن يقف خلفهم.
أظهرت النتائج أيضاً أن نسبة 95 % من المتعاطين كانوا من فئة المدخنين سابقاً، ونسبة 80% لجأوا للاقتراض أو السرقة لتأمين احتياجهم من المادة المخدرة على أثر الأعراض الانسحابية التي واجهتهم عند التوقف عن تعاطي المخدرات، بينما تعرض 92% منهم لقضية التهديد في حال رغبة بعض أفراد المجموعة الانسحاب من التعاطي، في حين تعرض 85% من المجموعة للابتزاز بالشرف لتأمين الجرعة المخدرة حال عدم توفر المال الكافي، كما أظهرت الدراسة التغيب أو حتى الفصل من العمل بنسب متفاوتة، ناهيك عن تعمد التخفي وعدم الإفصاح لذويهم بقضية التعاطي أو حتى المعاناة الصحية الملازمة لهم، كما أدى التعاطي إلى ترك الفرائض كالصلاة والصوم وغيرها من النوافل الأخرى بشكل نهائي.
ختاماً: الاهتمام بفئة الشباب والمراهقين تربوياً مطلب تقتضيه الضرورة بدءاً من الأسرة، فلا يكفي الاهتمام بتوفير الحاجات الفسيولوجية كالطعام والمسكن والعلاج والترفيه، بل لابد من التوجه نحو تعديل السلوك عبر الارتقاء بهم بالدعم النفسي والتشجيع والثناء والتكليف بتحمل المسؤولية ومنحهم التقدير اللائق بهم، فالنفس البشرية تبحث عن الارتقاء، وحسب هرم ماسلو للحاجات الإنسانية نجد أن تلك النظرية تدرس حاجات الإنسان وتصف الدوافع التي تحركه كالحاجة للأمان، والاحتياجات الاجتماعية، والحاجة للتقدير، والحاجة لتحقيق الذات، وهذا يجعل الأسرة أمام مسؤولياتها في التوجيه كونها الجهة الملازمة لأبنائها معظم الأوقات للوصول بهم إلى بر الأمان بمشيئة الله تعالى.
التعليقات