لم يكد الربيع العربي المشؤوم يخبو قليلاً حتى أشتعل أواره مرةً أخرى، إذ يبدو أن من أشعل فتيل الثورات لذلك الربيع لا يزال يبذل ما بوسعه لتدمير البلاد العربية واحدةً تلو الأخرى في سيناريو تم التخطيط له بإتقان، من خلال إحداث الشرخ بين مكونات النسيج الداخلي في الوطن العربي بدءاً من تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وانتهاءً بالسودان.
عوامل عديدة ساهمت في إحداث هذه الفوضى منها، وجود الأحزاب والطوائف التي ينعدم لديها الولاء للوطن، فلديها الخطاب الإعلامي الذي تلامس به مشاعر الجماهير العربية، والتصريحات الرنانة والوعود الكاذبة في العلن عندما تدعي سعيها الدؤوب للنهوض بشعوبها، وفي الخفاء تمارس عملياً العداء لهذه الشعوب، فولاءها للداعم لها سياسياً ومالياً، لتحقيق غايات وأجندة خفية تسعى من خلالها لتسهيل مهمة دول الاستعمار العالمية لتنفيذ مخططاتها.
ومن العوامل أيضاً، سوء إدارة الموارد، وعدم التوزيع العادل لها، وتفشي ظواهر الفساد المالي والإداري، وقد يملك القرار ويتصدر المشهد من كان الحظ حليفه دون أدنى مؤهلات علمية، أو رؤية سياسية، مع ضعف الولاء من قبل الشعب والذي ساهم في تسريع سقوط هذه الأوطان وعدم صمودها أمام التدخلات في الوضع الداخلي لتلك الدول.
يبدو أن السودان الجريح حالياً لم يتعلم الدرس، فالدول الراعية لهذه الفوضى والداعمة لها تذرف دموع التماسيح وتعلن صباح مساء استعدادها لحل النزاع، وتنادي الفريقين بضرورة التفاوض، وتنصح بعدم إراقة الدماء، وهي في الحقيقة لن تسمح بانتصار فريق على فريق آخر.
ففي أجندتها الخفية تسعى بكل قوة لتزيد من إشعال الحرائق عن طريق إدارة الصراع دون أن تسمح بنهايته، لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، وهو ما سيؤدي إلى هدر الدم العربي، وهدم البنى التحتية، وتوقف التنمية، وتشريد الجموع البشرية الغفيرة في كل مكان في الأقطار المجاورة لمحل الصراع.
ختاماً : رسالة لطرفي النزاع في السودان نقول فيها أن هذا الصراع ليس لأجل مساحة جغرافية يُراد استردادها حتى يكون نبيلاً، بل هو صراع على مجموع الأرض والبشر والحجر معاً، فالرابح خاسر لا محالة، ولن يحكم الفائز سوى أطلالاً مهدمة تخلو من البشر، ولن يجدي الجلوس للتفاوض لإيجاد الحلول بعد هدر الدماء، وهدم المنازل، وتشريد الناس، ولن تجدوا معكم بعد أن تضع الحرب أوزارها من كان معكم حين اشتعالها، وسوف ينتهي بكم المطاف كما انتهى بالسابقين لكم، وعندها نقول ليتكم تعلمتم الدرس جيداً ممن كان قبلكم قبل أن تدمروا وطنكم.
التعليقات