يكتظ المجلس بالعشرات منهن. منفردات أو مجتمعات في كامل زينتهن أو نصف زينه. فالمهم هو الاجتماع الساخن والسواليف المثيرة. يختلط الحابل منهن بالنابل وتتعالى الأصوات ومع ذلك كله تُميز كل واحدة منهن صوت الأخرى وترمق بنظرها فستان تلك الجالسة بعيداً عنها. وتحاول جاهدة في نفس الوقت أن تتعرف على من دخلت المجلس حديثا. وربما كانت تمسك فنجانا. من القهوة وفي ذات الوقت ترد على هاتفها الجوال الذي اشغل برنينه آذان الحاضرات.
تبادر حين دخولها لتعليق عباءتها والقاء نظرة أخيرة على مكياجها وهندامها. الذي تعرض للعديد من محاولات التغيير قبل خروجها من بيتها. الشعور المرافق لحضور المناسبة لا يمكن وصفه عند بعضهن من الفرح والانطلاق. إيماناً منها بوجود الصديقات والزميلات وعدد من القريبات. وعند البعض الاخر قد يكون شعور الانقباض لوجود ضيوف يحضرون للمرة الأولى . ولذاك تطغى الرسمية والهيبة على أجواء اللقاء. مما يجعله ثقيلاً على النفس بطيئاً بمروره.
وقد ترافقه علامات الأسى والندم وعدم الارتياح. ولولا المجاملة التي لابد منها لتخلفت عن الحضور. ومهما قيل عن مجالس النساء وسوالف الحريم ففيها للكثيرات بوابة للانس وطريق للفرح وساعات للبهجة. سوالف الحريم تختلط فيها الحكايات وتُتبادل خلالها المعاناة وتستشار فيها الصديقات. فيها الأمل والألم فيها الضحك والدموع. إنها تجمع تلك التناقضات في مكان واحد. لقاء الصديقات أو القريبات أو الجارات أو الزميلات.
بمثابة عقد اجتماع يومي تدور فيه الأفكار وتنتقل فيه التجارب والخبرات ولا مجال فيه للصمت الطويل. فالصامتة عندهنّ تحمل هماً أو حزناً أو تعاني من شيء نفسي يسبب لها الضيق وترفض البوح به. ولأنه مجتمع نساء فقد اعتدن على الصراحة وتبادل الشكاوى ولا يجدن ضيراً في طلب مشورة أو اسداء نصح أو التصريح بمشكلة. ولذلك اعتادت الحاضرات على التنفيس مما يجدن في بيوتهن ومن أزواجهن واولادهن .
فالظروف في الغالب متشابهة مع بعض الفروقات الطفيفة. ومن هنا كانت المعاناة والظروف متقاربة. المتعة في مجلس النساء حاضرة بطعامٍ أو حديث تتخلله النكات والتعليقات على الأزواج حيناً وحيناً على انفسهن . ولا يكتمل المجلس دون ذكر أماكن التسوق وقائمة بأسماء المطاعم الجديدة ومحلات القهوة. واخر ما تم انتاجه من اطباق الحلا. يتم هذا مع الاتيان بمشاكل العمل والزوج والأبناء .
وقائمة طويلة من الأمنيات والأحلام التي تدخل في نطاق الإعداد للسفر وتغيير اثاث المنزل والتجهيز للحفلة القادمة. كل ذلك يتم المرور عليه مع رشفة سريعة لفنجان من القهوة التي هبت عليها ريح الانتظار بسبب بقاءها طويلاً في يد ( ست الحسن والدلال ) فمالت للبرودة. بينما اليد الأخرى باتت تعبث بتأنيق الملبس أو تعديل الساعة أو نزع الخاتم.
ومع ذلك كله تلوك قطعة الحلا بسرعة البرق لترد على سؤال خاطف جاءها من الجهة المقابلة. إنها لا تتضجر ولا تمل ولا حتى تزعل فالمهم الجلسة والسواليف وتبادل النكت وسماع القصص والأخبار . سوالف الحريم تختلط فيها الأصوات وتتداخل التفاصيل ويعلو صوت الضحك كما الهمس حاضراً وربما الصمت. ورغم ذلك كله يُحبذن الجلوس والبقاء فالمتعة حاضرة والبهجة تسود المكان.
سواليف حريم فيها البساطة والسهولة والمشاركة وهي في عرفهن عنوان الاريحية. وطالما وجدن من يسمع لهن ويقف بجوارهن فتلك قمة المتعة. وهي كباقي المجالس لا تخلو من بعض السلبيات. إلا أن الكثير منهن لا يستغنين عنها. ولا يتركنها بسهولة. فجلسة الصديقات أو الجارات أو حتى حضور المناسبات الاجتماعية لا يمكن تفويتها.
بل هو ساعة البهجة ومتعة اللقاء. وحتى حين تحين لحظة الوداع ومفارقة المجلس فالسواليف مشتعلة والتعليقات حاضرة. وربما استغرقت لحظات الوداع الكثير من الوقت عند باب الخروج. كل ذلك بسبب سالفة تجر سالفة. ولعلمها بعدم وجود من ينتظرها كما كان سابقاً من سائق أو زوج. وطالما كانت سيارتها على مرمى حجر فلماذا العجلة.
أما عرّابة المجلس ومن تخطف الأنظار فتلك واحدة اعطيت ذرابة اللسان وحس النكتة والقدرة على اضحاك الحاضرات. بينما تتسمر الحاضرات كجمهور المسرح الذي يستمتع بالعرض فقط ولا يريد المغادرة. وبقدرة قادر يتحول ذلك المجلس لفنون الطبخ والبيع والشراء وتذوق الطعام وتبادل الأساليب والطرق في التربية وإدارة المنزل والتعامل مع الزوج.
لتبقى في الأخير سواليف ممزوجة بمتعة المشاركة وتوطيد العلاقات وتبادل الخبرات وتزجية الوقت والشعور بالأمان . تلك هي سوالف الحريم وتلك هي مجالسهن. فهل تُرى أنهن أسعد بالاً واهنأ عيشاً منا نحن الرجال؟ أم أنها تناسب طبيعتهن وتُحاكي واقعهن؟ ولذا يجدن في الكلام والحضور فرصة سانحة للتنفيس والترويح عنهن. ومهما يكن فهي في الأخير سوالف حريم.
التعليقات