الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

رائحة من زمني الأول – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

رائحة من زمني الأول  – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

صحيفة النماص اليوم :

 

عندما أدرٍّي (أتجول) في مساريب (طرقات) قريتنا الوقورة أحس أن كل حجر وكل مسراب وكل عشة وكل حوش وكل زاوية أحس أنها تتهامس من حولي وتقول يوما ما كان هذا الرجل الذي خط الشيب مفرق رأسه كان يؤنس مروره وحشتنا وينعش صراخه وحدتنا. لم نكن نشعر بالوحدة ولا الغربة بوجوده وأضرابه يتسابقون في أرجاء قريتنا الوقوره. أما اليوم وقد هُجرت مواقعنا واندثرت معالمنا ولم يعد هناك من يزورنا أو يسأل عنا، بل إن كل من كانت حياتنا قائمة بوجودهم قد ارتحل كثيرٌ منهم إلى عالم آخر، وشاخ من بقي منهم أواغترب، فلم نعد نشعر بهمسهم ولا نأنس بمرورهم فصار حالنا أشبه بالمقبرة.

تنعق الغربان على أطرافها وتتجول بعض الحيوانات في أطرافها. ثم تنبهت من سراحاني وقلت لنفسي أن مشاغل الحياة قد أصبحت كثيرة وإن الديار أصبحت متباعدة وكبرت الأسر وأصبح أمر تنقلهم والتقائهم أمرا غير ميسور قل من يصبر على مكابدته ومعاناته. لذلك نرى أن الزيارات المفاجئة اختفت وأصبحت من الماشي، وأصبحت الزيارات لا تتم الا بتحديد موعد مسبق، والا عد حضورك غريبا ومثار للشك والتساؤل.

رحم الله ذلك الزمان فقد كانت البيوت صغيرة والأبواب مفتوحة والقلوب طاهرة لا تنتظر إلا زائرا على حين غره فتتحرك الأسرة احتفاء بالزائر فتجهز القهوة ويطبخ على براد الشاي ويقدم المتوفر من الزاد، ولربما أحضر الزائر بعضا من الزاد معه، ويجتمع الجميع يتسامرون ويأنس بعضهم ببعض، يتسامرون عن أحداث قريتهم، فغنم فلان طبت في زرع فلان، وبقرة آل فلان ولدت عجلا، وأسرة آل فلان رزقت مولودا….

كل اهتماماتهم لا تخرج عن محيط قريتهم. ثم يتنبه الجميع لمرور الوقت وكأنه ومضت ضوء سطعت ثم اختفت، فيغادر الزائر والجميع في فرح وسرور… ويقوم الجميع للنوم استعدادا ليوم جديد لا يعلمون ماذا يخبئ لهم من أسرار. اليوم كثر الخير وندعو الله المزيد للجميع، لكن ليعلم الجميع أن قريتنا القديمة لترسل لكم رسالة بأن جل من سكنها قد غادروا إلى عالم آخر نرجو الله أن يكون أفضل من عالمهم السابق.

فليحرص الجميع على طهارة القلب ونقاء السريرة ولو تباعدت الديار وقل اللقاء فرسالة واتس أو مكالة طارئة قد تفي أحيانا بالمطلوب.

وطابت أوقاتكم بالمسرات.

 

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *