الإثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ شوال ١٤٤٦ هـ

عوالق الذاكرة – بقلم الكاتب أ. هذلول بن حسين الهذلول

عوالق الذاكرة – بقلم الكاتب أ. هذلول بن حسين الهذلول

 

إذا كان للذاكرة ثقوب تتسرب من خلالها ذكرياتنا واحاديثنا ومواقفنا. فهي في ذات الوقت لديها القدرة على الاحتفاظ بكمية هائلة من البيانات والمعلومات والأشخاص والأماكن والحوادث. وبما ان ذواكرنا مختلفة ومتفاوتة فكذلك ما يعلق بها يتباين في أهميته وحضوره وغيابه. فيا تُرى أي شيء يعلق بذاكرتنا؟

– هل هي الأحداث المفرحة أم المحزنة؟  – هل هي الكلمات الجميلة أم تلك التي لا زالت تخِزنا بقسوتها؟ – هل نحن نحتفظ بصورة مصغرة للوجوه الحسنة أم يعلق بذاكرتنا تلك الوجوه السيئة التي لقينا من جرائها العنت والمشقة ؟ – هل نحن نستذكر جمال ذكرياتنا؟ – أم ننوح على أيام خلت عانينا فيها حد البكاء ؟ – وهل نمتلك القدرة على تصنيف تلك العوالق لنحتفظ بالجميل منها ونمحو السيء؟ – ام أن ذلك خارج نطاق قدرتنا وخارج حدود امكانياتنا؟

العديد من الاسئلة يمر بخواطرنا ويشغلنا كثيراً بالبحث عن إجابته ولكن يبدو أن لا إجابة حاضرة ومؤكدة. فبعضنا اوصد على ما يؤلمه من الذكريات والمواقف باب النسيان بل وزاد من ثقوب ذاكرته كي يتسرب منها ما يؤذيه وما يريد التخلص منه. إنّ أمثال هؤلاء يمتلكون القدرة على إدارة ذاكرتهم ومن ثم القيام بتنقيحها والمداومة على فحصها. لأنهم يعلمون تمام العلم أن اجترار الماضي بأحداثه القاسية والغير سعيدة سيعكر عليهم أجواءهم وسيحرمهم من التمتع بحياتهم والانطلاق لتحقيق أهدافهم .

ولذا فهم لا يتيحون لأنفسهم قدر المستطاع الفرصة للعودة إلى ما يبعث فيهم الضيق والكدر. وصنف آخر لا يزال تعرض له بين الحين والاخر تلك الشوائب الكريهة وكأنها تعيدهم لاجترار ذلك الماضي التعيس والمؤلم. لتصبح حياتهم بين شد وجذب نحو الهروب من تلك العوالق الغير مرغوبة إلى الاستمتاع بحياتهم وتحقيق أمنياتهم. وفيما يبدو لي أنّ الذاكرة تشبه المرآة التي تعكس كل ما يقع عليها من جيد ورديء وحسنٍ وقبيح. إنها أي الذاكرة لا تحابي أحداً فهي مجرد وعاء لما نضعه فيها.

فإن أردنا الصفحات البيضاء المملؤة بالجمال فهي موجودة. وإن أردنا تلك الصفحات الملطخة بالسواد فهي موجود أيضاً وما علينا سوى الإختيار وتحديد ما نريد. فتلك العملية برمتها تتم بمجرد إشارة منا. إن تلك العوالق تفرحنا حينا وتسرنا بإطلالتها البهية. ولكنها في المقابل تغير امزجتنا وتعكر صفونا وبالذات حين تلامس جراحنا وتُذكرنا بمعاناتنا. من المؤكد أن ّ الذاكرة وعاء ضخم وضعنا فيه خبراتنا وتجاربنا وسعادتنا وآلامنا وجميع ما مر بنا.

غير أننا في أوقات الفرح والبهجة والصفاء وأوقات الضيق والانكسار نقوم بإدارة عجلة ذاكرتنا علّها تنقلنا إلى حالٍ أفضل. وبسبب ضخامة ذلك الأرشيف الذي نحمله تختلط الأوراق مع بعضها فتترائى لنا حيناً ذكريات جميلة وسعيدة وفي الوقت نفسه يقع اختيارنا رغماً عنا على حدثٍ مؤلم أو حادثة مؤسفة.

وعندها نقول : ما بال ذاكرتنا قد شطت بنا بعيداً وخانتنا اليوم؟ والامر لا يعدو أن يكون إختبار لقدرتنا على النسيان واختبار لنفوسنا على التجاوز والصفح. نعم نكون متسامحين مع ذاكرتنا تلك كي لا نرهقها اكثر أو نحملها ما لا تطيق. إننا متى ما تصالحنا مع ذواتنا كثيراً ارتد ذلك علينا راحة في البال وهدوءاً في النفس واستقراراً في المشاعر. التي اصبحت لدى اكثرنا لا تحتمل المزيد من اللوم والعتاب والتقريع.

ومن حقها أن تنعم بوافر من الراحة وكثير من البهجة. من الجميل أن نبحر مع ذواتنا في بعض الأوقات نحادثها ونناجيها عبر استعراض شريط الذكريات غير أنا يجب أن نكون حذرين من الانسياق خلف مشاعرنا التي تدعونا للحزن والضيق وانكسار الخاطر. فذاكرتنا ملأى بالجمال والأشياء السعيدة والذكريات الحلوة والمواقف الرائعة. إننا متى ما احسنا التعامل مع ذاكرتنا عمّنا الهدوء والاستقرار والتوازن النفسي. وبات تقليب صفحاتها يغمرنا بالسرور واستذكار الأوقات الجيدة والأيام الجميلة.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *