لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متردّداً حينما ذكر ضمن تبريراته لغزو أوكرانيا: أنّها ليست دولة «حقيقيّة» هي مجرد خيال من صنع روسيا الشيوعيّة. وهو بهذا يعبر عن قناعة شخصيّة يعززها بعشرات الآلاف من الجنود والأسلحة لتحقيق اعتقاده بعدم وجود «أمة أوكرانيّة» تاريخيّة تستحق السيادة.
الواقع أن أوكرانيا لديها تاريخ طويل من الشدّ والجذب مع موسكو وبعض هذه المواقف المعقّدة كان بدفع ودافع الرغبات الأوكرانيّة التي طالما تفوقت على الحسابات والقدرات. والإشكال الواضح في الصراع الآن يبدأ من واقع أن أوكرانيا تحاصرها روسيا من الشمال الشرقي والشرق والجنوب الشرقي ومن جهة البحر الأسود من الجنوب. في الجنوب الغربي والغرب والشمال، تشترك أوكرانيا في الحدود، مع مولدوفا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا وبولندا وبيلاروسيا ولا يوجد بين هذه الدول حليف قوي يمكن أن يكون نداً لروسيا بحيث يكون قاعدة دعم خلفيّة لأوكرانيا أو حلفائها.
وتقول المصادر إنه عندما أصبحت أوكرانيا مستقلة عام 1991، روج الإعلام الغربي أنها ستصبح في المستقبل القريب ديمقراطيّة أنموذجيّة بسوق حرة غنيّة وعضويّة كاملة في المجتمعات الأوروبيّة والأوروبيّة الأطلسيّة. وقد نجح الغضب الروسي الظاهر والمكتوم مع نفاق المصالح الغربيّة في تخفيف تأثير أصوات أوروبيّة وأميركيّة ظلّت تمهد لأوكرانيا لتصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
من الناحية الاقتصاديّة كانت أوكرانيا ضمن الاتحاد السوفيتي ثاني اقتصاد قوي زراعياً وصناعياً وحين استقلت أضحت واحدة من أفقر دول أوروبا من حيث الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي الإجمالي للفرد لسنوات. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي في وقت من الأوقات، فقد أصبحت أوكرانيا في مرحلة ما أفقر بنحو 20% مما كانت عليه في عام 1990. صحيح أن أوكرانيا تنتج وتصدر الذرة وزيت تباع الشمس ومنتجات الحديد والقمح ومنتجات البلاستيك والكيميائيات وبعض صناعات المركبات والمعدات ولكنها في مجموعها لا تقيم اقتصاداً مكتفياً. وهناك أيضاً الحقيقة التي تقول إنه وعلى مدى سنوات، ظلت روسيا تزود أوكرانيا بالغاز والنفط بأسعار مخفضة حتى إن الأرقام تشير إلى أن أوكرانيا اعتمدت طويلاً على روسيا في أكثر من 70% من الغاز المستهلك في البلاد.
الخلاصة أن ما قام به بوتين هو «تصحيح التاريخ» من وجهة نظره، وبهذا أصبحت سيادة أوكرانيا الدولة العضو في الأمم المتحدة اليوم محل تجاذبات صراع القِوَى. أمام أوكرانيا الآن «ربما» ثلاثة سيناريوهات محتملة: 1) أن تعود بحكومة موالية لموسكو إذا تواصل خِذْلان الغرب، 2) أن تنتصر بدعم غربي وكارثة عالمية، 3) أن تبقى منطقة صراع واستنزاف للروس والأوكرانيين.
- قال ومضى:
لا تسأل عن المبادئ في سوق المصالح..
التعليقات