في مثل هذا الوقت قبل 40 عاما و 30 عام حياة تعج بالنشاط والحيوية والأهازيج، والانتاجية، وهم يتنادون بينهم.. مابين عازم لصديقه ( تعال تغد معي يابو علي ) وبين مناد لجاره بالمساعدة ( افزع یا فلان حاوشني ) وآخر ينادي تعال يا بوسعد ومحمد نتشرق ) وهكذا حياة الريف ولا تخلوا من النزاعات … في مثل هذا الوقت في نهاية فصل الخريف الناس صرموا الخريف وينقلونه لبيوتهم، ولا نرى إلا أكياس أو ( غراير ) الذرة ينقلها الشباب على الجمل أو على الحمار ( اعزكم الله ) ولاحقا بالسيارة، هایلوکس او قلاب ينقلونها الى بيوتهم تلك الأيام كان صبيان القرية يتعاونون في الحصاد، أو الحصيد، و أرباب الأُسر هم من يصرم الذرة، الذرة لها آلة خاصة وهي الجلم ( يلم ) يقصون بها ( زغاديب ) الذرة قص، كانت تلك الأيام أجمل أيام العام عندما يتعاون الجيران في صرام مزارعهم، وتسمع الرمل يرملون بمثل، یا وزابه عينك رموشي یا وزابه تقدح وتوشي، أو یاربنا بارك لنا في حبنا وكل حب، أو والله لو قيدوني واهبوا على القيد باشها لأحط قيدي بالأيدي وألحق علي في صلاته.
وأشياء اخرى نسيتها، في الصباح يصرمون لأبو عبدالله وفي الروحة ( العصر ) يصرمون لأبو محمد واليوم التالي لأم محمد مربية الأيتام، وهكذا في احتفال طبيعي بسيط، بهيج، يقوم صاحب المزرعة بضيافة جيرانه وعصبته الذين ساعدوه في الحصاد فتكون المرأة في بيتها أعدت الصحفة المشغوثة أو الفطير والسمن والعسل والتمر والقهوة، أو العصيدة والمرق، بحسب وقت الوجبة، كان ذلك قوتهم من إنتاج ایدیهم وتعبهم، لذلك كان له طعم خاص.. لأنه امتزج بحبهم وحنانهم وذكرهم إسم الله عليه حين البذر وحين السقي وحين الحصاد، وكل حين.. لا تزال منتجات منطقتنا ألذ منتج.. لم أذق تفاح كتفاح ديرتي ولا ذرة ولا حنطة، ولا جرجير ولا كمثرة، ولا بقدونس وكل منتجاتها، وغير ذلك من المنتجات الرائعة الطعم المحتاجة لحسن الرعاية من جديد فلماذا هذا النكران لهذه الأرض الطيبة ؟
تذكرت أيام خلت ينزل جارنا من القَرَى وأمامه أغنامه وبجانبه بعض أولاده يحتزمون الجد والإجتهاد.. منهم من ذهب للصدر ليحتطب وآخر يساعد والدته في جلب الخلا، الحشيش ( طعام الغنم والبقر، وأخر يجلب الماء من البئر وتحت بيتنا جيراننا الآخرون وصوت ماطور الماء ومنظر مجاري ( میاري ) الماء وهناك الساقي يسنّع الماء من قصبة لأخرى ومن صفح لآخر ومن فلج ( فلي ) لآخر، ( الشْقة ) تراها وكأنها قطعة هندسية كقطعة الشطرنج، مرتبة، نظيفة، منظمة، يعرف الماء طريقة، وينظف الفلاّح أرضه، يعتني بها أكثر من أولاده، فهي مصدر رزقة وقوت عياله، فلماذا قتلنا مزارعنا بدعوى المدنية ) يالله كم كان جميل صوت العم علي وهو يسقي الزرع ويقول حبيبي ياربي عندما يعجبه منظر الماء والزرع ؟ أو عندما ينزل المطر، ( وتلك الأيام ).. ليتني نائب القرية أو محافظ المنطقة، لأجعل منها قرى عامرة، قرى نابضة .
تذكرت “أم علي” تخاصم الراعي الذي تعدت غنمه على مزارعهم، أين اصواتكم ايها الحبيبات تُسلم الجارة على جارتها، وتعزمها على قهوة الضحى، وأم محمد ( رحمها الله ) تقدم الماء والقهوة والتمر للنساء وهم في طريق عودتهم من الصدر، وتقدم لهم التصبيرة، كل هذا بلا موعد.. لماذا بلا موعد كلهم يسرحون في الغداة سوية ويروحون سوية، طريقهم واحد، ويشتركون في أماكن العمل، فهم عائلة واحدة لا يحتاج لأخذ موعد للزيارة ولا للقاء . يااااه کم بالقلب من البكاء، أين صوت أبو سعيد وهو يحرث ويصيح على الثيران، آها آها آها، ليحثها على المسير،، كان أحد جيراننا مع عصيب آخر، يحرث أو يعمل مزرعته ( شقته ) بأربعة ثوارین، اثنين من غرب المزرعة، وآخرين من شرقها منظر جميل حيوي تعاوني يعج بالحركة والنشاط والحُب والإنتاجية تسمع أهازيج الفلاّح، يالله اليوم ياربي ياللذي ماحن إلا به، ياللذي ينبت الحبي يابس يوم نذرا به، لقد ذروا الحَبَّ بالحُبِّ وتركوا لنا ألم القلب.
( شو احكي لاحكي ) تفاصيل جميله ذهبت، وحياااة عظيمة ماتت، وحسرااات نتنفسها زفرات، على تلك الحياة العظيمة في قرية صغيرة، تلك القرية المليئة بالحب والتعاون والضحكات، لا أنسی جمال تلك الجلسة يجلسها الرجال أو الجيران في المنداة وخلف البيوت يسمونها ( نتشرق ) وهم يتعرضون للشمس آخر النهار وقد أنهوا أعمالهم وأرخوا أحزمتهم قليلا يتناوبون فنجان القهوة أو بدون قهوة.. ربما بعض الماء وربما لاشيء، ويتواصون بالحق، ويتناجون في حل مشكلاتهم، ويتغامزون فيما بينهم بالمزاح، فتعلوا الضحكات والقهقة وقد ينظمون الابيات الساخره، يسخرون ويطقطقون على بعض، ثم ينقلبون الى زوجاتهم، تلك الزوجات، قد حلبن الابقار ( الهويش ) و من تستحق الحلب من الغنم، واعدت طعام العشاء، ويا سلام اذا كان خبزة ذره في ( الميرفة ) مع شوية صُبغة سمن وحليب طازج.
ومن الطريف ان كل بيت يكون فيه الصراخ واصوات المشاعيب بعد المغرب، اللي ضيع الغنم ينضرب، الي قصر في عمله ينضرب، واللي. واللي. واللي،، وكما. يروي بعض اخواني ماتسمع الا دووووف، دووووف، علامة تاديب لكل مقصر، رحم الله تلك الارواح التي أحيت أرض، وأخرجت نشء اصبح اليوم عماد للوطن تلك الأنفس التي اضحكت أرواح وأسعدت أنفس، وعمّرت وبنت، ثم بين عشية أو ضحاها غادرت بصمت، صمت يضج بنا نحن من بعدهم فهو حنين يعصف بدواخلنا مابين حُب وألم على وإلى تلك الأيام والوجوه، والضحكات، فعلاً ( راحت ” كل شي يسرح مع الصبح ” ) وراح معها بورك لأمتي في بكورها. نحتاج إلى ( إعادة ضبط المصنع ) ليعيدنا ربنا الى الحياة الحقيقة. اتمنى. ان لا يُفهم كلامي على اني اريد العودة للماضي ومافيه من شقى وتعب نريد بركة الصبح ومسراح الصبح . اللهم ردنا إليك ياربي ردا جميلا ، وامنن علينا بعفوك وعافيتك )
دمتم بخير .
التعليقات
3 تعليقات على "أين بركة الصبح ؟ – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري"
كنت ارجوا ان اجد تعليقا يعطيني نتيجة ذلك العمل الدؤوب ، ويخبرني و المطلعين حضرة القراء ، عن منظر تلك المزارع والقرى ، حيث كنا نشاهد مدرجاتنا الزراعية ولا تشاهد العين إلا اللون الأخضر ، كل قطعة زراعية تتمايل و تختال بجمالها و بما فيها من خير ، وويل ثم ويل لكل معندي متعمد او مخطيء ) اما الجبال فكانت زينة على زينة خضراء دهما تحسبها من جمالها سوداء لا ترا فيها عودا يابسا، ذلك لأن الاحتطاب حينئذ مقنن معلوم ، فكان يكسر العود اليابس ليخرج عوضا عنه اغصان ناشئة جديده تجعل الجبال غابات غناء ، واليوم انظروا لبعض الجبال ترون اشجارا ميتة واقفه لضعف المعرفة والثقافه ، اما ( الحبل او الحبله ” بفتح الحاء والباء” ) فهي منوعة من البرشوم والتفاح والتين والخوخ و المشمش و السفرجل و الحماط ، ولك ان تتخيل فاكهة الصيف من كل هذه الاصناف ، واشياء جميله كثيره. ولا انسى جمال الابار ممتلئة بالماء و الوادي يجري فيه الماء ، كان لنا معلمات مصريات يتعجبن من جمال ديرتنا و روعتها ،. دمتم بخير
مقال جميل ،، الصباح فلاح ،، هكذا كان
اليوم الصباح ليس كذلك ،، حتى للعاشقين الصباح له طقوسه
يقولون :
صباح الخير فيك الصيح سلوى …
في الغابِ في تِلْكَ المخارف والرُّبى
وعلى التِّلاعِ الخُضْر ولآجامِ
كم مِنْ مشاعِرَ حلوةٍ مجهولةٍ
سَكْرى ومِنْ فِكَرٍ ومن أوهامِ
غنَّتْ كأَسرابِ الطُّيورِ ورفرفت
حولي وذابتْ كالدُّخانِ أَمامي
ولَكَمْ أَصَخْتُ إلى أَناشيدِ الأَسى
وتنهُّدِ الآلامِ والأَسقامِ
وإلى الرِّياحِ النَّائحاتِ كأَنَّها
في الغابِ تبكي ميّت الأَيَّامِ
وإلى الشَّبابِ مغَنِّياً متَرَنِّماً
حوْلي بأَلحانِ الغَرامِ الظَّامي
وسَمِعْتُ للطَّيرِ المغرِّدِ في الفضَا
والسِّنديانِ الشَّامخِ المتَسامي
وإلى أَناشيدِ الرُّعاةِ مُرِفَّةً
في الغابِ شاديةً كسِرْبِ يَمامِ
وإلى الصَّدى المِمْراحِ يهتُفُ راقصاً
قرأت رواية وليس مقالا فقط
مقالا ينبض بالحياة
سافرت عبر الزمن للوراء
ذكرى جميلة كبرق خاطف
ليتني أعيش تفاصيلها
تبا للمدنية المقيته