الإثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ شوال ١٤٤٦ هـ

من مذكرات طبيبة – بقلم أ. عبدالله ضايح العمري

من مذكرات طبيبة – بقلم أ. عبدالله ضايح العمري
 
 
“وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ”.. أنقل لكم هذا المقال على أمل أن يحد من انخفاظ المفهوم للذات ويزيح الإنهزامية.
من”مذكرات طبيبة” .. أسأل اللّه أن يبارك في علمها
“أوقفوا الانتحار” .. وأنا أفحص مرضاي
 
أبدأ في طرح أسئلة عادية لكبار السن  منها كم عمرك؟ – لا زلت شابًا – ماشاء الله * لكن الرد متشابه إلى حد ما.
ما إن تتجاوز المرأة (50) أو (60) والرجل (60) أو (70) حتى يبدي ابتسامة يائسة ويقول: لقد هرمنا يا ابنتي، كبُر الأطفال، وتزوجوا وأنجبوا أحفاد ويكفي ما وصلنا إليه، في إشارة إلى أن مهمته انتهت!
 
وهو يعيش وهدفه في الحياة انتظار الموت، كانت تلك الكلمات التي تقطع الحبل الذي يربطهم بالأمل خناجر يغرزها مرضاي دون قصد  في قلبي، كنت أبتسم وأجيب : لا تتكلم عن الهرم يا عم ما لم تصل (100) عام.
 
لماذا نحصر أنفسنا في غرفة ضيقة، لماذا نختار من الأحلام أدناها، لماذا نضع سقفًا يحول بيننا وبين النجوم؟
 
تطور الطب نعم، معدل الأعمار ارتفع بكل تأكيد!، لكن هل ارتفع معهما شيء آخر، سنوات تضاف إلى الأعمار، لكنها سنوات بدون طَعم، سنوات تجر الخيبة والاحساس بلا جدوى، وغياب هدف يدفعنا لنواصل المسير.
 
هكذا الحال عندما تكون نظرتنا للحياة ضيقة عندما تنحصر الأهداف في الذات لا نتجاوزها إلى الآخر، عندما يكون همنا أن نتزوج وننجب ونؤمن مستقبل الأولاد، وعندما يكبرون تنتهي المهمة ليتغمدنا إحساس يائس بأن تاريخ الصلاحية نفذ ولم تعد منفعة تستجدى من وجودنا على ظهر هذا الكوكب.
 
ابن تاشفين يقود معركة الزلاقة، وعمره(80) عاما، ليضع فصلاً لا يمحى في تاريخ الأندلس، أبو أيوب الأنصاري يغزو القسطنطينية وقد بلغ (80) ولا تقولوا هذه أساطير ..
 
لا أريد لأحد أن ينتهي به الحال هكذا، حاكمًا على نفسه بالفناء وهو لا يزال على قيد الحياة، اصنعوا لأنفسكم أحلاما عظيمة لا تكفيها (60) سنة ولا (70) ولا(100)
 
الأحلام الصغيرة لم تخلق لكم، يا أصحاب العقول، خلقتم خلفاء لله على أرضه، لا تنتهي مهمتكم حتى تُوَارَوْا التراب..
من أخبركم أن عليكم عندما تضعف أبصاركم، ويتأذى سمعكم، ويرتفع الضغط، ويقل النبض،
أن تلزموا المنازل لا تغادرونها إلا للصلاة !؟
 
لم يأت هذا في سير الأولين، لم أقرأ قط عن صالح لزم البيت ويئس من الحياة ! فمن أين هذ الإحباط؟
من أخبرك أن الشيخوخة هي مشكلة؟
 
وصفة الإستمرار في الطريق، هي الأحلام العظيمة يا عزيزي، الشباب كما يقولون شباب الروح لا الجسد الشباب ليس فترة من العمر، الشباب طبع نتطبع به، الشباب قلب لا يتوقف نبضه ما دامت تسقيه الهمة العالية.
 
اهمسوا في آذان الأجداد والجدات، الآباء والأمهات لم يحن الوقت بعد، لازال مقامكم في هذه الحياة راسخًا أنتم الخبرة، أنتم التجربة، أنتم الحكمة فلماذا اليأس؟
 
مادام القلب ينبض فلا بد من مواصلة الحياة، ولا مناص من العمل وخدمة الآخرين.
 
أخبروا من تنفسوا هواء (60) ربيعًا أنه لازال الخريف بعيدًا جدًا، لازال أمامهم العمر مديد ارسموا أحلامًا أجمل، وطريقًا جديدًا تسيرون فيه، الجسر الذي بينكم وبين الآخرة لا زال قائمًا، الرحلة لم تنتهِ بعد ..
 
الأعمار علم غيبي محض، أوقفوا سير الأموات على الأرض يبحثون عن قبورهم؟ أخبروهم أنهم لازالوا أحياء وأن الشيخوخة لا تعد عائق؟ مادامت قلوبكم تنبض فلا تحكموا على أنفسكم بالفناء!
 
 
 

التعليقات

3 تعليقات على "من مذكرات طبيبة – بقلم أ. عبدالله ضايح العمري"

  1. ومشاركة لما نقله الأستاذ/ عبدالله من هذا المقال الهادف، والكلام الجميل.. أقول:

    * ومن أسباب هذه المشكلة:
    ضعف التصوّر عن الهدف من الحياة، وعدم إدراك الحكمة من الوجود- (عند بعض الناس)..

    * فإذا علمنا أن الحكمة من الخلق (العبادة)،
    وأن معنى العبادة واسع يشمل (كلّ ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة).

    فربما كان أفضل الأعمال آخرها، وخير الأيام خواتيمها،
    وأن فضل الوقت يزداد لمن طال عمره، وحسن عمله..
    * وعندما يدرك كبير السنّ- وغيره- فضل التهليلة، والتسبيحة، والتحميدة، والاستغفار، وسائر الأذكار..،
    وكذا شرف طلب العلم وعظيم فوائده..
    وما في فضل زيادة المعرفة،
    وحسن القيام بالعبادات حتى يأتي اليقين..
    وعند هذا يدرك معنى الحياة في عامة مراحلها، وقيمة الوقت في سائر تقلباتها.

    وعند حسن التصور هنا:
    فإن الدقيقة الواحدة في الحياة غنيمة- إذا أحسن الإنسان استغلالها ولو بغرس شجرة، أو كلمة طيبة، أو ابتسامة..

    * وكما أن القصور في التصوّر يحصل عند بعض كبار السنّ؛ فإنه واقع عند بعض المحيطين بهم؛
    فعندما تتقدم بقريبهم السنّ.. ترى من حوله ينحّونه عن القيام بالنافع من أمور الدنيا- مما يناسبه القيام به، ويظنون أنهم بذلك يحسنون إليه ويريحونه- وهذا إقصاء خاطئ، وتحطيم ظاهر..

    * وكذا يفعل بعضهم مع ذوي الاحتياجات الخاصة- كالمكفوف والعاجز عن بعض الأعمال.. فيتصوّرون أنه لا دور لهؤلاء، وأنهم كالموتى!

    * فما أحسن التصوّر الصحيح، والفكر النيّر..، وعنهما تنبعث التصرفات السليمة، والسلوكيات المستقيمة..

  2. اصبت ووفيت وفقك الله لرضاه ورزقك تقواه والبسك ثوب الصحة والعافية وأدام عليك فضله وستره ونعمه

    • جزاك الله خيرا،
      وأعطاك بمثل دعائك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *