رتبط علاقة الإنسان بالحيوان منذ نشوء الحياة البشرية على الأرض قبل 200.000 سنة كونها وخلال تلك العقود الطويلة جزءا من دورة الحياة العامة والتوازن الضروري للوجود، وتحتم المصلحة والفوائد المتوخاة من اقتناء وتربية الحيوانات طبيعة تلك العلاقة وفق الحاجيات البشرية ومقتضيات الحال، وبالذات ما يعد في حكم المفترس منها أو ذوات الأنياب.. في الفترات الأخيرة بات منظر اصطحاب هذه الأنواع يتكرر بصفة مستمرة في عدة مواقع في المدن الرئيسة وبالذات الأماكن العامة ـ الحدائق، الأسواق، الأرصفة وممرات المشاة – في مشهد يراه البعض تشوها بصريا ومصدر أذى نفسي لمرتادي تلك المواقع.
وبعيدا عن التقييم الشرعي للحل والحرمة والطهارة والنجاسة لها ولمخلفاتها التي تلقي بها دون وعي في أي وقت، أو أضرارها الصحية على الإنسان وما تحمله من الجراثيم والطفيليات ونقل الأمراض ورأي الطب في ذلك والآثار المترتبة عليها والناتجة عنها، فسأتركها لذوي الاختصاص الدقيق منعا للإطالة، لكنني أتساءل ببراءة كغيري: هل تجاوز اهتمام البعض من أفراد المجتمع الحاجة لمثل هذه الحيوانات لأن يعدها مظهرا من مظاهر الترف في ظل أثمانها المرتفعة؟ وما تتطلبه من العناية الخاصة كمصروفات التسكين والإيواء – في حال السفر – في الفنادق المخصصة لها ولنزلها عند الحاجة، أو العيادات الطبية التي تهتم بها وبعلاجها وتطعيماتها ونوعية أكلها والتي تضاهي في إمكاناتها أفضل الفنادق والعيادات البشرية تجهيزا وخدمة وتكلفة في ظل التزايد الملاحظ مع مرور الأيام.
وهل هناك موائمة ممكنة بين ما نعلمه عن أهمية الرفق بالحيوان ومثل هذه الممارسات؟ مع توقعي الخاص أن يتم في المستقبل وفي ظل تنامي هذه الظاهرة أن يتم افتتاح المطاعم المخصصة لها والكافيهات التي ستعتني بها عندما تود أن تقضي بها بعض الوقت.. على الجانب الآخر ثمة شكاوى متعددة حول الكلاب الضالة في بعض المواقع وآثارها، فهل يمكن الربط بين هذه وتلك؟ مع بقاء وجهة النظر القائلة «إن تلك المناظر والتشكلات الثقافية الجديدة تهدف إلى تفكيك منظومة القيم المجتمعية بشكل أو بآخر طالما لم يرق لنا ويناسبنا مما لدى الغرب سوى هذه التجربة»، وهل صرف اهتمام أحدهم بتربية أطفاله أفضل من تربية وتبني الكلاب؟، أم أن المسألة مجرد تقليد أعمى دون وعي وسيزول بعد فترة من الزمن وينتهي المطاف بهذا الحيوان ملقى به على قارعة الطريق يتضور ألما وجوعا حتى يموت، أم أن وراء الأكمة ما وراءها بعيدا عن كل ذلك؟
هذا الانتشار العشوائي والحديث المتنامي عن هذا المظهر يجعلني أشير للنظام المحدد للتعامل مع الحيوانات وهو نظام الرفق بالحيوان لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي يحظر ترك الحيوانات في غير المكان المخصص لها أو تركها مهملة، كما أن السكينة العامة من أركان النظام العام التي يجب المحافظة عليها وعدم قبول إثارتها لدى الأفراد والمجتمع في المواقع التي يرتادونها، ولائحة الذوق العام نصت على أن عدم إزالة مخلفات الحيوانات الأليفة من قبل مالكها من المخالفات الموجبة للعقوبة، وقبل ذلك القانون الجنائي لم يغفل عما يمكن أن ينتج عن هذه الحيوانات من الضرر أو الاعتداء على الغير بأن حمل مالكها المسؤولية التقصيرية – من غير فعل ـ في خروج عن القواعد العامة تحت باب المسؤولية عن الأشياء وأفعال الغير.
في ظل أحاديث متزايدة بأن هذه الحيوانات تحمل الكثير من الفيروسات والحشرات الضارة وتنقلها للبشر وبالذات الأطفال الذين يتساهلون في ملامستها وحملها بمجرد رؤيتها شاهدنا البعض يربيها داخل منزله أو أن تستقل معه سيارته الفارهة أو يسكنها فندقا من ذوي النجوم الخمس أو يلبسها الملابس الفاخرة الذكورية والأنثوية، ونتفق أن هذا شأنه وفي حدود حريته بما لا يتعدى على حريات الآخرين أو يلحق الضرر بهم سواء كان هذا الأمر للكلاب أو الحيوانات الأخرى المفترسة وغيرها، فله مطلق التصرف في ذلك ويتحمل نتائجها، لكن أن يتجول بها في الأماكن العامة ويؤذي غيره أو يستثير مشاعره ويستفزها فالقاعدة الكلية تقضي بأن الضرر يزال.
وختاما فإن وجهة نظري لمربي هذه الحيوانات بأن الأحرى بهم أن يفكروا جديا بأن يوجهوا هذا الاهتمام والعناية لأبنائهم وخواصهم الذين نعدهم ليبنوا وطنهم بسواعد فتية وعقول نقية، أو لتبني أحد الأيتام بدلا من الكلاب والقطط وغيرها، لأن هذا أجدى وأنفع وأنقى له ولمجتمعه في دنياه وأخراه طالما أن التكلفة متساوية بينهما.
التعليقات