ترتفع نسبة استخدام الشبكات الاجتماعيّة في دول الخليج العربي إلى أعلى المعدلات العالميّة قياسا بعدد السكان. حقّا لا يمكن إغفال حقيقة أن الإقبال الكبير على هذه الشبكات خليجيا يعود في قسم منه إلى حالة الرفاه التقني والوفرة الاقتصاديّة والتحولات الاجتماعيّة والثقافيّة الهائلة التي تجري منذ مطلع الألفيّة الثانية، ولكن مع هذا الانتشار الهائل لاستخدام الشبكات الاجتماعيّة فإن الحالة الرقميّة الخليجيّة لم تدرس بشكل يتوازى مع حجم الإقبال واتساع دوائر التأثير في البنية الفكريّة للأجيال الجديدة.
ويعود جزء من أسباب ذلك أننا وجدنا أنفسنا مختطفين مدهوشين وَسَط هذه المعمعة التقنيّة، فلم نملك الوقت والحكمة لبحث وتدارس في تصدير أو تأطير منظومة أخلاقيات وقوانين تؤطر علاقاتنا ونشاطاتنا الرقميّة. ومن هنا يبرز أهم أسئلة عصر المعلومات وهو سؤال “الحريّة” بمفهومها وحدودها وضوابطها بالنسبة “للفرد” المستخدم أمام مجتمعه الرقمي ومن ثم تأثيرها في مجتمعه الطبيعي.
الواضح أننا الآن في مرحلة بدأت تتضح معالمها فيما يشبه سيادة ثقافة مجتمع رقمي جديد مشوش يعيش شخصيتين بينهما بون واسع، الشخصيّة الأولى شخصيّة افتراضيّة رقميّة خلقها ناشطو الشبكات الاجتماعيّة والمعجبون بهم ممن يمثلون نواة ما يشبه المجتمع الموازي للمجتمع الطبيعي خارج الشاشات. هذا المجتمع الرقمي يتسم بالإبداع في تدوير ثقافة الاستهلاك والاستعراض المرضي والتظاهر، الشخصيّة الثانية شخصيّة تشكلت سلوكياتها وانفعالاتها وفق ظروف العالم الواقعي دون “فلاتر” يمكن أن تغش في الشكل والمضمون.
ولأن أبرز ناشطي الشبكات الاجتماعيّة في الخليج لم يتأسسوا معرفيا وفق معايير تنبثق من مؤسسات علميّة رصينة أو من عمق تجرِبة مجتمعهم نراهم يتسابقون ويتهافتون بحثا عن كل ما يقدم وميضا جديدا للبقاء حول “ترند” الشاشة. على سبيل المثال ستجد صبيحة كل يوم خبرا أو مقطعا أو قصة تقذف بصاحبها “المشهور الإلكتروني” إلى حافَة المغامرة بالاسم، والعائلة أو الوالدين والوطن، ثم يأتي بعد ثلاثة أيام (مجازا) مطأطئا دامعا في مقطع تمثيلي رديء وهو يعلن “التوبة” أو “التراجع” ضمن لُعْبَة مملة لا نهاية لها.
وفي ظل هذه الفوضى الرقمية ومع هذا التزاحم والجلبة التي يثيرها ناشطو الشبكات الاجتماعيّة ربما نجد قريبا وظيفة جديدة بمسمى “خبير شطحات” وإعلانات تطلب خبير “شطحات” للمشهور الفلاني على الشبكات الاجتماعيّة. أما أولئك الذين يحاكون الفرد “الغربي” على الشبكات الاجتماعيّة فقد لا يدركون أن “الغربي” لا يحاسب ضمن “قيم” مجتمعة لأنها لم تعد حاكمة، وليس للدين مرجعيّات تصونه عن التجاوزات، ولكن الجميع هنا (الفرد والمجتمع) يحتكمون إلى قوانين صارمة تجعلهم يعرفون حدود الحريّة والمسؤوليّة
– قال ومضى .. على الشبكات الاجتماعية يتزاحم الحمقى على أبواب التافهين.
التعليقات