.
قبل بضعة أشهر بدأت خوض تجربة تربية الخيل وقضاء وقت الفراغ معها وإجازة نهاية الأسبوع خصوصاً، ولعلي أتحدث ابتداء عن سبب تعلق صاحب الخيل بها وحبه الشديد لها وهو في حديث أبي ذر الغفاري “رضي الله” عنه حينما مر عليه أحد الصحابة وهو قائم عند فرسه، فسأله ما تعالج من فرسك هذه ؟ فقال أبو ذر الغفاري : إني أظن أن هذه الفرس قد استجيبت دعوتها، فقال الصحابي: وما دعاء بهيمة من البهائم، فقال أبو ذر الغفاري: والذي نفسي بيده ما من فرس إلا وتدعي كل سحر فتقول: اللهم أنت خولتني عبداً من عبادك وجعلت رزقي بيده ، اللهم اجعلني أحب من أهله وماله وولده.
وقد ذُكرت الخيل في القرآن بعدة أسماء منها : العاديات، الموريات، الصافنات، الخير، الجياد، ومن قصصها في القرآن الكريم القصة المشهورة لنبي الله سيدنا سليمان “عليه السلام” حينما عُرضت عليه الخيل، حيث ذكر بعض المفسرون بأن عددها كان عشرون ألف فرس ، والبعض قال ثلاثة عشر ألف فرس كانت غنيمة من حرب ظفر بها، والبعض قال ورثها من والده أيوب، فنسي صلاة العصر حتى غربت الشمس ( فقال إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)، واختلف المفسرون حول المسح فالبعض قال بأنه قتلها وقدمها صدقه للفقراء فعوضها الله عنها بالرياح تجري بأمره، والبعض قال بأنه مسح رقابها وأعناقها من الرشح .. والله أعلم.
وبما أن بدأت هذا المجال حتى نصحني أحدهم بأول نصيحة وهي أن أتعامل مع الخيل كالتعامل مع الإنسان تماماً لشدة ذكائها والشبه الكبير في صفاتها بالإنسان ، فتجد فيها شرف النفس، وعلو الهمة، والكبرياء، بدليل قبول الخيل والاستجابة للأوامر إذا ما رأت السوط بيد صاحبها من عفافها أن يقع عليها، وكأنها الابن مع والده يخاف أن تُجرح كرامته بالضرب فيطيع له، فترى فيها الغضب إذا ضُربت لاحساسها بالإهانة.
والخيل في مجملها تمتلك طباع الإنسان فمنها الخجول ، والاجتماعي، والعنيد، والحقود، والحبيب الهادي، واللطيف، والجامح المتهور، والمنعزل على نفسه، وصغارها تعيش مرحلة الطيش واللعب والحركة الزائدة.
ومن ذلك أذكر قصتين حصلت معي وهي:
الأولى: أحد الأيام وأنا ذاهب للاسطبل بعد غياب خمسة أيام تقريباً عن زيارتي له، فإذا بسايس الخيل يقابلني عند دخولي ويقول بأن فرسك ( عسافه ) افتقدتك لغيابك عنها وهي حزينة الآن ونفسيتها تغيرت ومتضايقة لا تخرج من غرفتها مع بقية الخيل لتلهو وتلعب وقت العصر حيث كنت أزورها يومياً بعد العصر لملاعبتها والتنزه معها، فظننته يمازحني ومضيت إليها داخلاً غرفتها فابتعدت عني إلى زاوية غرفتها ولم تلتفت لوجهي ولم تخرج معي على غير عادتها، ومكثت أحادثها وأهدي من روعها وامسح على رأسها وأكلمها لأكثر من عشر دقائق حتى هدأت واقتربت مني وأعادت رأسها لرأسي وخرجت معي بعد ذلك من غرفتها.
الثانية: دخلت يوماً على حصاني ( رعد ) وقت غدائه فهاج وغضب وانصرف عني لا يقلبني في غرفته ولم يقترب مني، حاولت امساكه فرفض واستشاط غضباً، فدعيت السايس لأسأله ما بال الحصان غاضب، فقال لقد أفزعته عن أكله فغضب وهو جائع لم يشبع بعد، كالإنسان تماماً لو دخلت عليه فأقمته من على أكله وهو جائع لم يبدأ أكله، فابتعدت عنه حتى عاد للأكل وانتهى من وجبته وعدت إليه فإذا به قد سكن روعه وهدأت نفسه.
من ذكاء الخيل أيضاً تختبر خيالها ببعض الحركات لتكتشف مهارته وموهبته وثقته بنفسه وعلى ضوئه تتعامل معه وتتجاوب، كذلك البعض منها تختبر من يقودها أثناء السير بها بالحبل لترى هل تفرض نفسها أم هو خائف منها وترصد ردة فعله.
ويكون تعلق الخيل أكبر بصاحبها إن كان عاش معها من طفولتها فتتعلق به تعلق الأم بابنها، رأيت أحد الزملاء من شدة تعلق فرسه به لا تقبل حتى أبنائه بأن يقتربوا منه خوفاً عليه وحباً له، وما أن ترى أحداً وقف بجانبه حتى تأتي مهرولة لإبعاده عن صاحبها، فسبحان الله خالق الخلق، وسبحان من أعطاها هذا الجمال والذكاء والحرص الشديد.
.
التعليقات