=
صحيفة النماص اليوم :
=
مع ( شتاءات الأسى ) التقى الجمهور بالشاعر فهد ظافر الشهري، لكن قبل أن يلقي نص المسابقة؛ ألقى مدخلاً من أربعة أبيات فقال:
من مهبط الوحي دار مزبّنين الدخيل … لا مهبط الشعر والنوماس والمرجلة
المسألة ما هي مجارى بحور الخليل … ولا هي بمليون درهم لكن المسألة
إني أمثل بني شهر الكرم والجميل … وابني شهر قسمها في المرتبة الأوّله
نذر علي بإذن ربي لا صنع المستحيل … وأجتاز كل المراحل مرحله مرحلة
=
ثم ألقى ( شتاءات الأسى ) التي تحدثت عن مأساة السوريين، وما يعشيونه من عذابات، وما يعايشون من موت محقق، منتقلاً الشاعر بين الزمان والمكان، فجاء نصه مفعماً بمشاعر جدّ حزينة. لكن ما أضاف للنص التميز هو الإلقاء.
=
شتاءات الأسى تمتد من تشرين لَ تشرين … رذايذها قنابل والسحايب أعمدة دخان
هبايبها ليا هبت من الفسفور والسارين … ينابيع الدماء أبرز معالمها لحد الان
هنا الأشجار تثمر بالرماد أقفت ثمار التين … هنا لون الحياة بدون ما أبالغ بدون ألوان
هنا تسقط براميل الأجل تجهز على الناجين … هنا ابن اللات يرقص والموسيقى كذبة حزيران
هنا الأحياء تساورهم شكوك إنهم بعد حيين … هنا الدفّان لا أصبح يدفن اللي بالمسا دفّان
هنا الانسان يتلاشى إلين إلين إلين إلين … ما تبقى له ملامح تشبهه من كثرة الحرمان
هنا شيبة على الشارع بلغ بالعمر خمس سنين … ألا يا شيب عيني في مضايا شابت الولدان
هنا جوع أو مضايا أو مضايا الجوع هالإسمين … تشابه في الصفات المؤلمة والفرق في الايمان
عيون الغبطة تطارد جياع اليوم واليومين … إلين أصبح ترفهم في رصاصه تنهي الأحزان
عيون الطفل تصرخ عنهم للناس جوعانين؟ … ولو قلت أنت ويش اسمك يقول اسمي أنا جوعان
صغيري يا صغيري والأسى ما بين حين وحين … مدامك تفقد اللقمة ترانا نفقد السلوان
صغيري والقوى العظمى لها موعد بيوم الدين … مصير الخصم يلقى الخصم عند الواحد الديّان
توحّى للسما وأبشر بقرب النصر والتمكين … مفاتيح الدعا يفتح بها الله للفرج بيبان
عقد سلمان عزمه مع خليفه والوعد تشرين … ما دام اللي يقود الجيش أبو خالد وأبو سلمان
=
د. غسان الحسن أشاد بتفاعل الشاعر مع النص بشكل مبهر، ما أثمر عن خيالات وصور بعضها جميل وبعضها صادم، وهي التي عبرت عن حقيقة الأمر الذي يتحدث عنه الشاعر، لأن الواقع هو صادم فعلاً، ولذلك نجد مفردات ( الأسى، قنابل، والسحايب أعمدة دخان، الفسفور والسارين، ينابيع الدما، الشارين، الأشجار تثمر بالرماد ) . أما تركيب الصور فيه الكثير من الجمال، ذلك أن المأساة تشمل كل شيء حي وجماد، من الحجر والشجر والسماء والإنسان.
والملاحظ أن الشاعر ذهب من عموم المأساة التي تحدث فيها في بداية النص إلى خصوصها، أي عندما التقى بحالة في الحالات التي تأثرت بالمأساة، وما ما اتضح في البيت : ( هنا شيبة على الشارع بلغ بالعمر خمس سنين/ ألا يا شيب عيني في مضايا شابت الولدان )، والشيبة هو طفل تبدلت ملامحه وكأنه شايب بسب ما حدث. وهذا تخصيص جزئي.
لكن في الأبيات التالية التي جاءت فيها مفردة ( مضايا ) فكان التخصيص مكاني، وهذا من أسباب توفيق الشاعر بالقصيدة، أي أنه ذهب إلى مكان خاص سمعنا وعرفنا أن مأساته كانت بسبب الحصار والجوع القاتل الذي ذكره الشاعر خمس مرات لفظاً، ( جوع، جوعان ) وغيرهما من دون تغيير. حينها سأل الناقد ذاته هل كان ذلك جيداً أم لا، خاصة وأن الشاعر يملك الكثير من المفردات؟ لكن الدكتور وجد أن تكثيف الكلمات بتلك الصورة التي جاء بها الشاعر؛ إنما تدل على تكريس المأساة المتمثلة في الجوع في تلك المدينة، ولذلك أشبعنا بها لتخيل ما كان يحدث.
أما البيت الأخير ( عقد سلمان عزمه مع خليفه والوعد تشرين / ما دام اللي يقود الجيش أبو خالد وأبو سلمان ) فقد جاء بعد أبيات الدعاء، ومع أن البيت بدا أنه أداء واجب، لكن ثمة ارتباط بينه وبين ما قبله، وذلك عندما طلب الشاعر من الناس الدعاء. فبَانَ وكأن الله قيض هؤلاء الرجال لانقاذنا من تلك المأساة.
ومن جهته أكد سلطان العميمي على جمال النص الإنساني وتميزه، إذ أنه مكتوب برؤية شاعر لديه من الوعي ما مكنه من طرحه بصورة إنسانية وشعرية رفيعة المستوى، وهذا الأمر يميز الشعراء الذين يكتبون بذلك الإحساس، فيما يذهب سواهم إلى النظم التقريري المباشر. والشاعر هنا تحدث عن الموضوع من دون أن ينسى الشعر، وبتصوير بديع ورائع، مضيفاً: الأبيات التي تستحق الإشادة والإشارة إليها كثيرة، كما الأمر بالنسبة للبيت: ( هنا الأشجار تثمر بالرماد أقفت ثمار التين/ هنا لون الحياة بدون ما أبالغ بدون ألوان ).
فالشاعر جعلنا نعيش المشهد والحزن؛ مثلما قال الناقد حمد السعيد. وما ميز النص ويؤكد حرفة الشاعر تأخير الإفصاح عن موضوع القصيدة حتى البيت السابع، من خلال مفردة ( مضايا ) التي تجذب المتلقي. وأضاف السعيد أن الكثير من الأبيات تكشف عن جمال النص، مثلما هو البيت ( هنا الأحياء تساورهم شكوك إنهم بعد حيين/ هنا الدفّان لا أصبح يدفن اللي بالمسا دفّان )، وكذلك البيت ( عيون الغبطة تطارد جياع اليوم واليومين/ إلين أصبح ترفهم في رصاصه تنهي الأحزان ) يصف الحالة بشاعرية مميزة. وبشكل عام أبيات القصيدة بدءاً من مطلعها جميلة.
=
التعليقات