الرزق كلمةٌ محجوزةٌ لا تستطيع البشرية أن تتلاعب في مفهومها, لا يُمكن أن تتعدى إلى ما ورائها, لا يمكنها أن تتدخل فيها شؤونها, لأنها من اختصاص الرب الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, فلا تتأسف على تأخر الرزق, ولا تتضجر من فوات بعضه, ولا تيأس من بقيّته ما دام في العمر بقيه؛ لأن الحي القيوم يقول (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
الآية الكريمه (إنَّ اللّهَ يَرْزُقُمَنيَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب) فيها طمأنةٌ شافيه, وتذكرةٌ واعظة, لكل من عَلّق قلبه بغير الله أن يعود إلى رُشده وإلى هُداه فيؤمن بـالله (وَاللّهُيَرْزُقُمَنيَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) البشر قد يكونوا من أسباب حصول الرزق ولكن ليسوا مَن يكتبه ولا مَن يعطيه ولا يستطيعون أن يقِفُوا عثرةً في سبيله بل إذا أراد الله شيئاً قال له كن فيكون.
إنني أوصي كل من ضاقت به سُبُل الرزق أو أُغلِقت أمام عينيه منافذ العيش, أن يتوجه إلى القرآن ليعلم علم اليقين أن الله خلق ابن آدم وأغناه وأعطاه وأغدق عليه النِعم فليس غيره مُعطي وكل البشر يجودون من جوده سبحانه (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) لذا فإن رزقي ورزقك ورزق الطيور والأسماك والبهائم والحشرات والدقائق والكائنات في خزائن رب الأرض والخلائق والسماوات, وإن كان في قلبك شك فهات البرهان, ولتطمئن روحك سنعطيك الإجابة من القرآن (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
إن في تأخر الرزق عن بعض بني البشر ابتلاءٌ وتمحيصٌ واختبار, ولقد رأيت بعضهم يتضجر ويتعلق بهذا وذاك,وينسى أن يرفع شكواه إلى الذي من جزيل نعمته لم ينساني وينساك, إن لدينا سحابة الاستغفار وأبواب التسبيح ونوافذ الحمد ومسالك الشُكُّر وكلها تؤدي إلى فتح خزائن الرزق بمشيئة الله جل في علُاه (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)وقال تعالى (فَأَمَّا الإِنسَانُإِذَا مَا ابْتَلاهُرَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)اللهم أرزقنا صبراً عند الابتلاء وارزقنا شكراً على النعماء.
أيها الإنسان المسكين, آن لك أن تعلم وتؤمن وتطمئن بأن الله لم يخلق كائناً بِلا رزق, ولن ينساك بِلا نصيب, ولن تسقط سهواً من عناية علّام الغيوب, لكنك قد تقع تحت مجهر الإبتلاء وهذا فيه خيرٌ لك كثير, وقد تواجه معوقاتٌ في سبيل الرزق وهذه كلها تدعوك إلى التعلق بالله ومناجاة الرب القدير, لذا فاحمد الله على كل حال, واشكره على ما بين يديك, وكلما تكدر خاطرك من أمر تدبّر قوله تعالى (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُمَنْيَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ ).
التعليقات