في يوم الخميس 4 ذو القعدة 1433هـ توجهت لمدينة تنومه في مغامرة تصوير سياحي , واخترت هذه المرة جبل عكران القابع في شمال المدينة وهو يشاهد من الطريق العام للمارة بمنظر مهيب , وقد يكون اعلى القمم في تلك المنطقة .
الجبل مهيب بقامته في التاريخ كما حقيقته التي عرج عليها الدكتور صالح ابو عراد بقلمه في مقالة له حيث ذكر: “يقع هذا الجبل في الجهة الشمالية الشرقية لتُنومة ، ويبلغ ارتفاعه حوالي ( 2480 ) مترًا عن سطح البحر ، وهو جبلٌ ضخمٌ صعب المسلك .” وذكر شيئاً عن الكهف الذي في قمة الجبل ومناسبة المسجد ذو المحرابين بقوله :”كهف جبل عكران : ويسمى محلياً ” الغار ” ويقع في الجهة الغربية لقمة الجبل ، وإلى الغرب من المسجد السابق ذكره ، وعلى بُعدٍ يُقارب (70 مترًا ) أو أكثر . وهو عبارةٌ عن مغارةٍ واسعة الفوهة ، كبيرة المساحة تخترق الجبل بشكل يصعب معها رؤية ما بداخلها بوضوح إلا بعض الأحجار والأتربة والفجوات المختلفة الحجم ، والتي قد يصل عددها إلى عشر فجوات تقريبًا .”
وأيضاً “كما أن ما ورد في التحقيق الصحفي المنشور عن مدينة تنومة في العدد ( 93 ) من مجلة ( الفيصل ) ، قد أشار إلى أن سبب وجود هذا المسجد مُرتبطٌ بقصة أصحاب الكهف القرآنية الخالدة ، وأنه هو المسجد الذي بُني حول الكهف الوارد ذكره في القصة . ولكن هذا مُستبعد لعدم وجود الأدلة الكافية .”
نكتفي بالنقل هنا ونوجه العدسة نحو رحلتنا…
صعدنا بالسيارة بصحبة والدي وأخي بدر عن طريق جبل منعا النازل والذي يمر بالقرب من مستشفى تنومه الجديد, واستقر بنا المقام في قرية عند اسفل الجبل وهناك صليت العصر وبدأت البحث عن الطريق المؤدية لقمة جبل عكران, وبما أن اليوم اجازة فلم أجد من يرشدني للطريق السالكة للقمة ولكني عزمت الصعود بصحبة اخي الصغير بدر.
وكان الطريق الذي يلوح لي وعر جدا ولا محالة عن المغامرة والتسلق فعزمنا الصعود على البديهة , فما من خيار لنا !..
كانت الصخور زلقة والاعشاب تغطي أجزاء منها , وأعاني من ثقل في الوزن قليلاً وخوفي الكبير على أخي من السقوط أو أن تصطدم كاميرتي بالصخور وأنا أتسلق فيذهب التعب سدى وأتكلف مبالغ طائلة, ولكن اخي بدر شد من عزمي وهو ابن عشر سنين.
بعد ما يقارب النصف ساعة من التسلق والقفز اخترنا الراحة قليلا على صخرة صلد وبها أثر سيلان الماء والتقطت هذه الصورة للقرية القابعة في أسفل الجبل واسمها (ترتع) , ونحن الان لم نقطع سوى ثلث المسافة ويتضح كم هي الجبال المحيطة اقل بكثير من قمة جبل عكران.
من هنا بدأنا ننحى جهة الغرب لكي تسهل لنا الطريق فالجبل بدأ الطريق اليه بشكل عامودي والتففنا حوالي الثلث ساعة بين اشجار وصخور حتى لاحت لنا تنومه والطريق العام فيها , وهنا كانت مفاجأة لم نكن نتوقعها , قمة جبل عكران ليست التي صعدنا لها فلازالت القمة متأخرة عن الجبل الذي صعدناه, و أخترت ان نسترخي هنا قليلا و اضطررنا الى الترجل ونزع احذيتنا كي لا ننزلق , وصادف مرورنا هنا ما يسميه اهل تنومه طريق الحية الذي يميل للون الاحمر وبدى لي تجويف كبير في الصخر استطعنا المشي داخله .
اخطر مكان مررنا به هو هذا المكان الزلق وتشبثت بنتوءات صخرية صغيرة جدا , وتزحلقت قليلا ليمر اخي من خلفي ولكي اكون له حاجزا اذا تزحلق , ولا اكتمكم السر فقد رأيت حتفي هنا ومر اخي بسلام ولكني تزحلق بعد ان فترت يداي ولكن الله سلم.
لاحت لنا القمة والعجيب اننا وجدنا بالقرب منها حقول للزراعة وسواقي !!
اكملنا الطريق الى القمة وهنا وجدنا المسجد التاريخي كما وصفه اهل التاريخ وما ذكره الدكتور صالح في مقاله غني عن الاعادة هنا والصورة ابلغ, وارتفعنا لنرى مشهد عظيماً للجبال في كل اتجاه, وتزينت تنومه بين هذا الدرع الحصين , واتضح لي بان قمة جبل عكران هي اعلى القمم بلا منازع في هذه المنطقة , وبدأت الشمس تعلن الرحيل عن المدينة مبكراً فكان لابد من الاستعجال في أخذ الصور , ولا وقت للراحة أبداً.
تقدمنا قليلا نحو الحافة لنشاهد منظر الكهف من الاعلى , ولم اكن اهاب المرتفعات ولكن المكان هنا اشعرني بالرهبة , فالجبل شامخ وكل شيء اصبح صغيرا للغاية حتى لا يميز , والمنظر مهيب في الافق , واستقت لرؤية الكهف الذي بدا لي كبيرا جداً, ويحتاج مني للنزول مسافة ليست قصيرة حتى اقف عند بابه, وقد مضى علينا ما يقارب الساعة والنصف منذ بداية الرحلة.
قدماي تمزقت من المشي حافيا فوق تلك الصخور وكان لابد من ذلك , وعزمت على النزول للتصوير من باب الكهف وقد هبطت الشمس كثيرا , وبدى سحر ألوان الغروب يكسو الجبال فكيف لي كمصور ان اغالب مثل هذه اللحظة التي قد لا تتكرر, واستجمعت قواي حتى وصلت الى افضل مكان استطيع منه رؤية الكهف وما داخله , وكان الارهاق شديدا واخي بدر اختار ان يراقبني من الاعلى وتركت جوالي معه للطوارئ , وطوال هذا الوقت كان والدي يطمئن علينا بالاتصال , التقطت بعض الصور للكهف , ولم يسعفني الوقت ولا اللياقة البدنية للنزول للكهف , فبظني تحتاج الى بعض الادوات الخاصة بالتسلق للنزول , وبخاصة من هم في مثل وزني .
من هنا عدنا في سباق جديد مع الظلام الذي هبط سريعا , والحمد لله على نعمته حيث لم نصب بأذى بالرغم مما وجهنا في نزولنا من التعب والارهاق , وما كدت اهبط وإذ بالشوق ينازعني لصعوده تارة بعد تارة, وكسر الوحشة التي تحيط بأركانه , وداعاً وداع مشفق على عظمتك وتاريخك يا من حملت ظهرك بيتاً من بيوت الله.
التعليقات
2 تعليقات على "جبلُ عكران … هيبة المكان والتاريخ ..!! للكاتب : مشرف بن خلوفة الخثيمي"
بيض الله وجهك وبارك الله فيك اسئل الله ان يوفقك تصوير رائع من مصور مبدع
ماقصرت بيض الله وجهك وبارك الله فيك اسئل الله ان يوفقك تصوير رائع من مصور مبدع