ترتبط حياتنا المعيشية والعملية إرتباطا وثيقا بجل الدوائر الحكومية والخاصة, كل منها فيما يخصها,ولاتنفك عنها أبدا,ولا غنى لآحد عنها, فالمنتسبون لتلك الدائرة مراجعون في دائرة أخرى,والعكس بالعكس,وفي هذا الترابط أمنٌ وتوثيق وضمان لحقوق الناس,وهو من أقوى الاليات الادارية التي تربط بين الشعب والنظام.
غير أن الآمال تنضبُ والاحلام تتلاشى والإحباط يخيم,حين تُبتلىَ أي إدارة من هذه الادارات, بإدارة فاشلة سواء كانت من ذوات التسيب أو من ذوات المركزية المفرطة!
ولاريب أن التسيب الاداري,خطر كبير وداء عضال, على مصالح الدولة ومصلحة المواطن,والموظف العامل بالادارة المتسسيبة,وهو الوجه القبيح الحائل عن تقدم الدولة التي يتفشى بها
فالدول المتقدمة إداريا,تقدمتْ صناعيا وعلميا وتكنولوجيا,وارتقت بمؤسساتها وبمواطنيها إلى ذرى التفوق والسيطرة على المتسيبين!
ولا أخص هنا إدارة متسيبة بعينها,لكثرتها ولكثرة العارفين بها ممن ذاقوا ويلاتها وتجرعوا مرارة إداراتها وضياعها,حين ضاعت حقوقهم وذابت مصالحهم بين مديريها وموظفيهم وبين مراسليهم !
فأي إدارة يُعوِّلُ عليها الوطن والمواطن حين يأتي المراجع المسكين فإن وجَد المدير يوما غاب الموظف المختص,وحين يتواجد موظف الحاسب يتعطل الجهاز(بفعل الفاعلين)أي إدارة هي التي لاتحاسب موظفيها ولاتسأل عنهم,ولا تحفزهم ولاتدربهم, ولايوجد بها أبجديات الضبط الاداري للموظفين من حضور وانصراف؟!
أليس من التسيب الاداري أن يتغيب الموظف دون عذر شرعي يضطره للغياب؟ أليس من أخطر أنواع التسيب الاداري أن تجد باب مكتب المدير مغلقا لتغيبه عن عمله ليلحق به الموظفون حال علمهم بغيابه؟ أليس من التسيب أن يقول الموظف لمراجعه,راجعنا الاسبوع القادم أو الذي يليه, كسلا منه وتهاونا وانشغالا بالجريدة أو الشاي أو التحدث مع المتسيبين من أمثاله ,وبإمكانه أن ينجز أمره في اقل من خمس دقائق؟!أفلا يراقب الله ويتقيه في أجره الذي يتقاضاه؟ألا يكون طائعا لولي أمره الذي أوكل له مهمته؟ألا يكون محترَما يحترم عمله وإدارته التي ينضوي تحت مظلتها؟!
إني لآكاد أجزم أن الفساد الاداري,الذي إنتهجته بعض الادارات الحكومية عبر سنين مضت,وتعدى ضرره على المواطنين.. حتى كان سببا رئيسا في نقص كثير من الانفس والاموال والدور, من بعد الامطار والسيول الجارفة…كان إثر تراكمات من الإفرازات الحقيقية للتسيب الاداري الذي لاينتهجه إلا من خان الآمانة وخان الوطن ولم يتق الله في مسؤوليته ورعايته التي استرعاه ولي الامر إياها, يقول النبي عليه السلام:
(كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته.. الحديث),فالمدير والموظف والعامل,كل منهم مسؤول,في عمله الذي أوكل إليه!
ماتطرقتُ لهذا الموضوع إلا لما رأيت ولما سمعت ولما ألفيت عبر حياتي المليئة بالمراجعات التي لم يُنجز جلّها من سنوات,وذلك للفشل الذي يخيم على كثير من الادارات!!
ولقد ألفيتُ أن الفشل الاداري لايقتصر على التسيب الاداري فحسب,وإن كان هو المسبب الآخطر ,إلا أن للمركزية المفرطة أثر كبير في الفشل الاداري الذي يعتري الكثير من إداراتنا مع الاسف!
والمركزية الادارية المعتدلة حين يضعف مدراء الادارة وموظفوها
تكون ذات حال إيجابي,ولكن يجب أن تكون مركزية مؤقتة تنتهي حال تمرس مدرائها وموظفيها بالعمل,من بعد وضع اللوائح والانظمة , بالاضافة للتدريب والتحفيز والتشجيع,وبث روح التنافس والانجاز, وإلا فإنها ستنعكس انعكاسا سلبيا سيئا يظهر على إنجاز الادارة وفاعليتها!
بيد أن للمركزية المفرطة وجهين مختلفين في الاهداف وهما:
1- الحرص الشديد من قبل مديرعام الادارة,على مصلحة إدارته مع عدم ثقته في المدراء والموظفين الذين يعملون معه,وفي هذا عنت وشدة على هذا المدير الذي قد يصاب بالهوس الاداري,وهو لن يستطيع العمل بمفرده دون أن يوزع المهمات ويراقبها بمهارة إدارية, إما عن طريق الحاسب والتقنية أو عن طريق زيارة المكاتب من حين لآخر أوالاجتماعات الدورية مع مديري المكاتب والاقسام للاطلاع على سير الاعمال وما أنجز منها وماتبقى وما هو المهم وما هوالآهم, وذلك خلال اسبوعين أوشهر .
ولا ريب أن في هذه المركزية إهمال للكوادر العاملة,مما يقد يصيبهم بالاحباط والاتكالية,ورمي المسؤولية بكاملها على مديرهم مما يهمش دور مدراء الاقسام أمام موظفيهم فيصبح مدير القسم أو المكتب لايستطيع التصرف في شيء,ولايخول له حل أي مشكلة إدارية سواء كانت صغيرة أو كبيرة,وهذا يفضي إلى تمرد موظفيه وعدم طاعتهم له ولآوامره,لانهم لايجدون عنده أبسط مايحتاجونه من ثواب وليس لديه عقاب.
2- البيروقراطية الادارية وهي التسلط والاستحواذ على مصالح الادارة من أجل تحقيق أهداف شخصية,للمدير العام وبطانته من الموظفين وغيرهم,سواء كانت هذه المصالح مالية أو إجتماعية أو وظيفية أو نحوها,و هذه هي البيروقراطية المفرطة الفاسدة,التي تحتوي على العقاب دون الثواب وتُصرّ على تنفيذ الاوامر دون مجادلة أو سؤال,ولا يُلتفت لمشاعر الموظف والعامل أبدا, وهذا يجعل موظفيها في حيص بيص فإما طاعة عمياء وعمل دؤوب بلا كلل,دون إخلاص وحب للعمل,فينعكس بالمحسوبية والفساد وتعطيل أعمال الناس,وإما هروب من العمل وترك الادارة بلا كفاءات ولا خبرات!
ومن البديهي جدا,أن الملوم ألاول لظاهرة الفشل الاداري, هي الوزارة التي تظلل تلك الادارة الفاشلة,فلم يعد التواصل بين الوزارة والادارات التابعة لها,على بريد السيارات التي كانت تستغرق من الرياض الى جدة أربعة أيام,بل أصبحت الاجتماعات عن طريق الشبكة التلفزيونية والعنكبوتية,فأين التفتيش الدوري؟ وأين لجان التدريب والبحث والتحري للدائرة التابعة لكل وزارة؟بل أين الاصلاح الاداري الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين؟أليس من البدهي والمنطقي أن تقوم كل وزارة,بعمل مسح إداري لجميع إداراتها,وبطريقة مفاجئة,لتتضح النقاط على الحروف,وليتبين لها المتسيب من البيروقراطي والمركزي المعتدل من المفرط؟!
فإن قالت أنها لم تُفعِّل الاصلاح الاداري بعد, فتلك مصيبة وإن قالت أنها قد فعلتها..مع هذا الفشل.. فالمصيبة أعظم!!!!
التعليقات