صحيفة النماص اليوم :
حقق الدكتور عبده علي الجدي كتاب الشيخ العلامة أحمد بن علي آل وابط العمري ( رحمه الله ) في فقه المعاملات حيث حمل الكتاب اسم ( الأنوار المضيئات في فقه المعاملات ) ووقع الكتاب في حوالي مائة صفحة ، وقد استهل المحقق مقدمة كتابه بحمد الله الذي أوضح لنا الدين وهدانا بغير حول منا ولا قوة وذكر أن علم الفقه هو من أشرف العلوم وهو الذي حفظ للأمة الإسلامية وجودها بين الأمم على اختلاف العصور، وقد برع في هذا العلم علماء كبار مجتهدون تنوعت مشاربهم واختلفت طرقهم قاموا بتدوينه وحفظه ، وأن المتصفح لتلك الكتب الفقهية يجد نفائس علمية تركها لنا علماء أجلاء أفنو حياتهم في تحصيل العلم وتعليمه ونشره، ومن ثم استطرد الدكتور المحقق قوله .. لذا كان من الواجب على طلبة العلم الشرعي إخرج هذا التراث النفيس محققاً تحقيقاً علمياً جاداً ؛ إعلاءً لدين الله ، ثم نشراً لهذا العلم وتقديراً لجهود علمائنا الأجلاء – رحمهم الله – ليستفيد منه الناس عموماً وطلبة العلم الشرعي خصوصاً . ثم حدد المحقق – وفقه الله – بعد ذلك أحد هؤلاء العلماء الفضلاء وهو الشيخ أحمد بن علي آل وابط العمري من فقها الشافعية .. وقد بدأ المحقق الدكتور عبده الجدي كتابه بسيرة الشيخ الذاتية التي سوف نسردها في ختام هذا العرض .. ثم تعرض بعد ذلك إلى المواقف العلمية والمناظرات مع كبار العلماء ، و الاسهاب في تفاصيل البيوع والمعاملات التي تجاوزت ستون معاملة كان من بينها ( مسألة خيار المجلس – مسألة تحريم بيع العنب على من يتخذه خمر – باب الربا – مسألة الضمان والكفالة – مسألة التعزير – مسألة الصيد والذبائح .. ) إلى غيرها من المسائل الفقهية التي أوردت في الكتاب .
وننتقل الآن مع السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ أحمد بن علي آل وابط العمري كما أوردها المحقق :
ولد الشيخ أحمد بن علي آل وابط العمري ، سنة 1291هـ بخميس العرق وادي زيد شمال النماص، وعاش مع والديه إلى سن السابعة ثم انفصل الأبوان وعاش مع والده في ظل رعاية عمته زوجة أبيه وقد كانت تقسو عليه رحمهما الله تعالى، وكان بيت والده على طريق المسافرين وعرف عن والده أنه كان يملك أكثر مزارع المنطقة مما جعله من أغنياء منطقته، وقد كانت وفود الحجاج من اليمن يمرون ببيت والده ويتزودون بما يحتاجونه من مؤنة السفر وكان ضمن هذه الوفود بعض علماء اليمن مما جعل الشيخ أحمد يتأثر ببعضهم فلما بلغ السابعة عشرة من عمره عزم على الرحيل إلى اليمن لطلب العلم هناك وخرج مع الحجاج العائدين إلى اليمن والتحق برباط العلم الكائن بمدينة بيت الفقيه بالحديدة، ودرس على يد المشايخ وعاش فيها قرابة خمسة عشرة سنة، وتعرض لعدة مخاطر منها تعرضه للسحر من عائلة يهودية، ومنها تعرضه للضرب المبرح من قبل الشيعة الروافض، وتولى قضاء الحديدة لمدة عام، ولما رأى مشايخه الخطر المحدق به من اليهود ومن الروافض الحاقدين نصحوه بالرحيل إلى العراق وتعاونوا معه في ذلك والتحق بقوافل التجار إلى العراق وقد تسلم من مشايخه بعض الخطابات والتزكيات إلى بعض مشايخ العراق المعروفين هناك .
وصوله إلى العراق :
ولما وصل إلى العراق توجه إلى علماء الموصل وبقي يتردد بين علماء الموصل مدة خمسة أشهر ثم ولي قضاء الموصل لمدة ست سنوات ثم اعتذر عن القضاء ثم توجه إلى بلاد فارس ودرس علم الفلك هناك لمدة سنتين وبعدها اتجه إلى الهند عبر البحر وحصل معه موقف محرج حيث اصطدم مركبهم بحوت عظيم حطم المركبة مما أدى إلى وفاة عدد من الر كاب ونجاة البعض على ألواح من الخشب وكان منهم الشيخ أحمد آل وابط، وغرقت جميع كتبه وتحسر عليها وبقي في البحر يوماً ونصف اليوم وبعدها تمكنت الملاحة الهندية من إنقاذهم بعد الله وبقي في ضيافة الوالي الهندي مدة سبعة أيام حتى تمكن من التعرف على بعض المدارس والمكتبات ،وعندها أخذ منها بعض الكتب عوضاً عن بعض كتبه المفقودة وكان الغرض من زيارته للهند دراسة علم الطب الهندي (الأيروفيدا) وبقي في الهند سنتين وبضعة أشهر، ثم عاد إلى أرض الوطن ..
وصوله إلى مسقط رأسه ( النماص ) :
وقد استقبله الناس بشيء من الاستنكار لانقطاعه عنهم فترة طويلة، وتم إكرامه كأي ضيف غريب وبعد تداول الآراء بين الأقارب للتأكد من شخصيته كان من الآراء ما أدلت به عمته بتطويفه على الأملاك الزراعية والسكنية ومطالبته بأسمائها وحدودها فبين لهم ذلك مفصلاً عندها تم الاحتفال به وعزيمة كل القبائل على شرفه وبعدها وجد نفسه وسط أبناء عمرو وبني شهر مقبول الرأي والحكم وقد جعلوه حاكماً شرعياً وقبلياً في كل قضاياهم ،وقد جرى المثل بأحكامه بقولهم (ولا حكم بن وابط).
صفاته الخَلقية : مستطيل الوجه، قوي البنية، مربوع القامة، حنطي البشرة.
صفاته الخُلقية : كان شجاعاً قوالاً للحق، مضيافاً، ، قوي الحفظ، صبوراً، متوكلاً على الله، من الزهاد، متواضعاً، سهلاً، مجاب الدعوة نحسبه كذلك والله حسيبه، وكان ذا دعابة وطرفة ونكته.
مواقفه الشجاعة :
يحكي بعض المواقف من شجاعته، أنه كان يدخل للإصلاح بين القبائل المتناحرة بالرصاص ويغامر في الوصول إليهم رغم كثافة الرصاص المنصب لحل مشكلتهم وتهدئة الوضع وإنهاء النزاع بينهم، وكان رحمه الله يحكم بالحق بين الناس رغم تهديده بالقتل من قبل بعض العصابات القبلية المسلحة، وأما ما يذكر من كرمه فقد كان بيته مفتوحاً على مدار الساعة لا يغلق إلا وقت النوم،وكثيرٌ من زوجاته فارقهن بسبب كثرة ضيوفه، حتى أن بعض زوجاته تشبه بيته بالسوق لكثرة الضيوف،يحكى أنه ذات ليلة نفد كل ما في بيته من طعام، حتى أنه وصل به الحال إلى أن أولاده ناموا وهم يبكون من شدة الجوع فأرادت زوجته إغلاق باب بيته خشية أن يصل ضيف وهم لا يملكون شيئاً فنهاها الشيخ أحمد عن ذلك وقال لها إن الضيف لا يأتي إلا ورزقه معه وقد كانت الليلة مطيرة وما هي إلا لحظات وإذا بطارق يطرق الباب وإذا به أحد الضيفان، وهو ما كانت تخشاه زوجته، وإذا بالضيف يدخل ومعه أكياس من البر والبن وهو من أعز أصدقائه،وإذا بالشيخ يقول لزوجته، جهزي الرحى واصنعي لنا طعاماً فإن أكياس البر والبن حول الرحى.
قوة حافظته :
وأما ما يدل على حفظه فيحكى أنه ذات يوم جاءه أحد طلابه واسمه الشيخ الحسين فايع العسيري إمام وخطيب جامع قرية العزيزة حالياً يسأله عن مسألة وكان على فراش مرض الموت فقال له خذ هذا الكتاب من على الرف وافتحه قال الطالب ففتحته فقال افتح صفحة كذا السطر كذا فهو جواب مسألتك،وأيضاً،كان إذا سؤل عن مسألة أجاب عنها من فوره بأقوال الأئمة الأربعة.
الحالة الاجتماعية – تزوج الشيخ أحمد رحمه الله بعدة زوجات :
1- جمعة العمري من آل ساعد وولدت له ثلاثاً من البنات هن مقبولة، وصبيا، وزانة. 2- فضة الشهري وأنجبت له محمد أبو عبدالسلام
3- عزيزة القبيسي الشهري وكانت أحب نسائه إليه وأنجبت له عدة أولاد منهم عبدالرحيم وقد اعتلى المنبر وعمره اثنتا عشرة سنة.
4- عطرة عبدالخالق عسيري وأنجبت له زهير 5- فاطمة الشرفية 6- فاطمة الزيدية 7- فاطمة العضاضية 8- فاطمة أحمد الجوني وأنجبت عدد من الأولاد والبنات منهم :- عبدالرزاق العمري، وعائشة ، وعزيزة .- وصل عدد أولاده إلى 45 ذكر وأنثى الأحياء منهم إلى الآن ثلاثة من الأولاد وبنتان .
ومن المواقف الاجتماعية التي اشتهر بها الشيخ رحمه الله تعالى حله للمشكلات :
يحكى أنه كان هناك حصن في شمال النماص يقع بين قبيلتين من قبائل بني عمرو وبني شهر وقد ادعى كل واحد منهما ان الحصن في ملكه فرضي الطرفان بالاحتكام للشيخ أحمد بن وابط، وكانت القبائل العمرية من قبائله الخاصة وكانوا يأملون أن يكون الحكم في صالحهم كون الشيخ واحداً منهم فأرسلوا من وجهائهم وكبار السن منهم من يحاول التأثير عليه واستمالته للحكم لصالحهم وقد حضروا إليه بليل حتى لا يراهم أحد، وتحدثوا معه وبينوا له حقيقة ملكية الحصن وأنه في أملاك بني شهر وقد بناه شخص منهم يعرفونه ولكن نظراً للتعصب القبلي المذموم أرادوا الاستيلاء عليه بغير حق وإذا بالشيخ أحمد يقول لهم إلى غد سيكون خير ،وفي الصباح عند حضور زعماء القبيلتين وكان منهم من زار الشيخ ليلاً، فطلب الشيخ من القبيلتين ضمناء لتنفيذ حكمه وأحضروا له الضمناء من قبائل أخرى، وعند سماع دعوى الطرفين قال لهم قد حكمنا بالحصن لقبيلة بني شهر بشهادة فلان وفلان وفلان ممن حضر عنده للتوسط في إخفاء الحق وعاد الحصن لأهله، مما أدى إلى عداوة قبيلته له كونه حكم ضدهم، وصدق قول القائل :(( قول الحق لم يبق لي صديقاً))، ويحكى أنه كان ينصر المظلوم، فذات مرة جاءه يتيم يشكو أخذ أمواله من قبل بعض المتنفذين فأحضر أوراق ملكيته لتلك الأموال وأحضر المغتصبون ورقتهم خالية من الشهود ولا يوجد فيها دلالة واضحة على الملك نظراً لأنها حديثة عهد بكتابة، وإذا بالشيخ أحمد يقوم بتمزيق ورقتهم ويقول لهم اتقوا الله فهي في ملك هذا اليتيم فرضي القوم بحكم الشيخ، وعاد الحق لليتيم.
المواقف العلمية والمناظرات مع كبار العلماء :
1- في يوم من الأيام طُلب منه عقد نكاح لبنت زنى، أمها على قيد الحياة وكانت بصحبة خالها أخي أمها وتم العقد من الخال للخاطب مما أثار غضب قاضي المحكمة في تلك المنطقة ولجهل القاضي بهذه المسألة الفقهية رفع الأمر والشكوى بالشيخ أحمد إلى القضاء الأعلى بأن هذه من المنقطعات ولا ولي لها إلا السلطان أو من ينوب عنه، وجرى تأييد الشكوى من قبل القضاء الأعلى وطُلب الشيخ أحمد من قبل الهيئة العليا للقضاء وشكل له مجلس قضائي لمناقشته فتمسك الشيخ بفتواه التى يرى فيها الشيخ أن بنت الزنى ليست من المنقطعات وأن وليها الشرعي هو الخال لأن أمها معروفة فالخال هو الولي من وجهة نظر الشيخ أحمد، ثم رفعت الأوراق إلى مفتي عام الدولة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى ، وقد أنكر الشيخ محمد بن إبراهيم هذه الفتوى على الشيخ أحمد مما أدى إلى طلب مناظرة الشيخ أحمد للمفتى حول المسألة وتم عقد مجلس مناظرة من كبار العلماء برئاسة المفتي وحضور الشيخ عبدالعزيز بن باز وحضر الشيخ أحمد بن وابط وكانت المناظرة بمدينة الطائف قصر شُبرا، وبدأت المناظرة فبين الشيخ أحمد المسألة بأدلتها المستند بفتواه إليها وأدلته كالتالي:- قوله تعالى (( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)) وقال أن الرحم من قبل الأم هم الأخوال فيكون بذلك الولاية لبنت الزنى للخال ومن الأدلة من السنة ما ثبت في مسند الإمام أحمد والنسائي،من حديث المقدام بن معدي كرب الكندي:((والخال ولي من لا ولي له، يفك عنه، ويرث ماله )). وبهذين الدليلين أثبت الشيخ أحمد صحة العقد واثبات ولاية الخال لبنت الزنى مما أدى إلى تسليم المشايخ بهذه المسألة لوضوح الدليل فيها من الكتاب والسنة فقام الشيخ عبدالعزيز بن باز بتقبيل رأس الشيخ أحمد بن وابط وتعديل الفتوى من ولاية السلطان إلى ولاية الخال وجرت على ذلك الفتوى إلى عصرنا هذا.
ومن المسائل العلمية :
مسألة الطلاق بالثلاث في مجلس واحد فكانت الفتوى المعتمدة أنها تعد طلاق بائن بينونة كبرى، وكان الشيخ أحمد يفتي بأن هذا الطلاق يعد طلقة واحدة طلقة رجعية. ومنها أنه كان يفتي في مسألة الرضاع لو كان من الطرفين فإنه يشمل كافة الأسرتين ولا يجوز التناكح بين الأسرتين بالكامل. ومنها مسألة في الوصايا : مسأله بعض الناس عن وصية ميت أوصى فيها باثني عشر مد من البر بعد مماته فقال الوصية باطلة، والسبب أنه عين الكمية وقد لا تخرج المزارع كفاية أهل البيت إلى جانب الوصية، لان الوصية الثابتة فيما لا يزيد عن الثلث وهنا الوصية مجهولة فقد تزيد عن الثلث وقد لا تنتج تلك المزرعة هذا الكم المحدد ففيها جهالة مما جعلها باطلة في رأي الشيخ رحمه الله تعالى.
إهداء نسخة للنماص اليوم :
تشرفت – النماص اليوم – بأستلام نسخة من كتاب ( الأنوار المضيئة في فقه المعاملات ) للشيخ العلامة أحمد بن وابط العمري أهداه سعادة الدكتور عبدالرزاق بن أحمد بن وابط العمري ( أبن الشيخ ) ، وتسلمه نيابة عن زملائه الإعلاميين في – النماص اليوم – والمجلس الإعلامي بمحافظة النماص الأستاذ محمد بن غرمان العمري ، وسنقوم بالإعلان قريباً عن أماكن تواجده وبيعه .
التعليقات
تعليق واحد على "طباعة كتاب ( الأنوار المضيئة في فقه المعاملات ) للشيخ العلامة أحمد بن وابط العمري"
نسأ الله ان يتغمده برحمته
ويجزيه خيربما قدم حيث كان والدي يحدثنا عنه وكان والدي يقول كان يفتي في كثير من المسأل الفقهيه
ويخطب يوم الجمعه
والدي يقول انهو رأاحد الكبارفي السن في قريت العزيزه
نور يخرج من نوافذ البيت الذي سكنه الشيخ احمد قبل
مجيأه
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته
وجزالله ابنه عبدالرزاق خير على ماقام به من جهود في سبيل حفض هذ العلم الكبير
الذي كاد يندثر ،