السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢١ شوال ١٤٤٦ هـ

تاريخ مزوَّر بأيدي مأجوره !. بقلم أ. ناصر آل عثمان العمري

تاريخ مزوَّر بأيدي مأجوره !. بقلم أ. ناصر آل عثمان العمري

 

سوف أحدثكم في هذا المقال عن أُمةٍ مأجوره تقبض ثمن خنوعها ضعفاً مُهين, إنها أمةً الأمجاد والسيادة والسلطة والوجود على مستوى الكرة الأرضية, حينما كانت هي مرجعية العالم دون مبالغه في تاريخٍ مضى وانتهى, لقد أصبحت هذه الأمة تترنح ما بين الأمم المفتقرة إلى أسباب الرفعة والتطور والنهضة الحقيقية والإصلاح الواقعي الملموس والسير نحو صناعة التاريخ بحروفٍ ترسمها عقولاً تمتلك الإرادة الحقيقية في نفع الأمة ولديها إيمان حقيقي بأن الآمال والطموحات لا يجدر بها أن تكون فقط حديثاً مُتداول على الفُرُش الوفيرة والقصور العالية والقاعات المترامية.

 إن أمتنا العربية والإسلامية كانت ذات وجودٍ في يومٍ ما, واليوم هي فقط تاريخ وأطلال باليه وحروف على أوراق غابره وأساطير يحفظها الطاعنون في السن أو حَفَظَت التاريخ وحدهم, حتى إن بعض أحداث السن ممن يعيش واقع أمتنا الآن, يرى تاريخ الأمة الماضي الذي يُدرَّس في صفوف الدراسة أسطورة يصعب تصديقها بما فيه من البطولات والفتوحات والنفوذ على كافة المستويات؛ لأنه ولا يُلام عندما يقارن التاريخ  بالواقع المعاصر لأمته يجد أمةً خاملةً ليس لها ارتباط بنهضة الماضي, ومُستهلِكَةً ليس لها علاقة بالإنتاج المذكور سلفاً, وضعيفةً ليس لها هيبه, وهشةً يتلاعب بها الأعداء ويعبثون بمُقدَّراتها, وشعوباً مأجوره تتناحر فيما بينها ” كما يقول الواقع” وتتخاذل حتى أصبحت طُعماً سائغاً لغيرها.

 إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية والعربية وتاريخها الذي يُكتب الآن ربما تُخالجه الشكوك بأن يداً مأجورةً تكتب عنّا الآن تاريخاً مشوه ومبعثر, يُخيم على أحداثه نظرةً سوداويه تحكي قصص التفكك وانعدام المبادئ على مستوى المجتمعات والشعوب العربية وهذا محض كذبٍ وافترى, فلا زال فينا نخوة العرب وشهامتهم, ولا زال فينا هيبة الإسلام “الجهاد” ولا زال فينا من يعين المحتاج وينصره ويفديه بالمال والدم, ولكن أحداً ما, يحاول أن يطمس هذه القيم من تاريخنا ويلغيها من مبادئنا الإسلامية أو العربية.

 لقد قرأْت في مذكرات نيلسون مانديلا أن الشعوب في جنوب أفريقيا الآن تستمد قوتها مِن تاريخ الأجداد والأسلاف الذين قضوا نحبهم دون مبادئهم وتاريخهم ومعتقداتهم عن طريق الإلهام الذي يؤدي دوره الحُكماء والنبلاء في القبائل والعشائر والمماليك, لقد عرفت حينها أن الأمم التي تقودها ضمائرَ حيه تستطيع أن تُعيد المجتمعات إلى التاريخ المُشرق ليكون منطلقاً وقاعدةً لحاضرٍ مزدهر مع التمسك بالمبادئ والقيم الأصيلة دينيةً كانت أو شعبيةً تقليديه, لكن الضمائر الميتة عندما تتلاشى فيها قسمات التضحية من أجل المبادئ والقيم التي تقود أفراد الشعوب أو المجتمعات, تصبح هي المسبب الرئيسي في طمس الهوية التاريخية, وتسهم بشكلٍ مباشر في فصل الذهنية النضالية عن الأجساد, ولتصبح الأوطان حينئذ مجرد مساحاتٍ شاسعة لتسمين البشر مِن أجل أن يتفنن الأعداء في تذكيتهم على غير الملة في يومٍ غير معلوم  يعدًّ له الأعداء عُدةً وعتاد ونحن عنهم في سباتٍ غافلون.

 إن فساد المسؤولية وانعدامها في نفوس بعض القيادات الإسلامية والعربية الآن, ربما يكون مِن ضمن سيناريو ذلك التاريخ الذي يُكتب بشكلٍ مزور, لأن الواقع يقول بأن الأمة العربية أو الإسلامية أمةُ متفككةً ومتخاذلة, وهذا بهتان افتراه كتبة التاريخ الحاضر, والحقيقة أن الأمة الإسلامية هي تلك الأمة التي قال عنها عمر رضي الله عنه” أمةُ تمرض لكنها لا تموت” وإن مَن يُظِهرنا بصورة المتخاذلين والمتفككين هُم مأجورين لزرع الخيبة في تاريخنا الحاضر, ولعل المستقبل سوف يحمل بإذن الله في جعبته الكثير والكثير لمزوري التاريخ المأجورين, وذلك عندما تتعافى أمتنا من أمراضها وتتخلص من أعباء الخيبة التي تسببت في تأخرها عقوداً من الزمن لتعود إلى زمن البطولات والوجود على ساحة الإنتاج والفاعلية وخدمة الإنسانية والنضال مِن أجل رفعة الدين والكرامة والعِزة وليس مِن أجل العيش برفاهيةٍ وخنوعٍ فقط.

 



 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *