لطالما كان النمو السكاني المتوازن عنصرًا أساسيًا في استقرار وازدهار الدول، حيث يضمن تجدد القوى العاملة وتعزيز الاستهلاك ودفع عجلة التنمية. لكن حينما يختل هذا التوازن، ويصبح عدد كبار السن أكبر من عدد الشباب، تبدأ التحديات الاقتصادية والاجتماعية بالتفاقم.
فقد شهدت دول متقدمة مثل اليابان وإيطاليا أزمات خانقة بسبب شيخوخة السكان، حيث أصبح عدد المسنين يفوق عدد الشباب، ما أدى إلى نقص العمالة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وانكماش الاقتصاد. في اليابان، على سبيل المثال، تواجه الشركات صعوبة في العثور على موظفين، بينما تتكبد الحكومة نفقات ضخمة لتغطية تكاليف الرعاية الاجتماعية والصحية لكبار السن.
أما إيطاليا، فقد تراجع معدل المواليد إلى مستويات غير مسبوقة، مما دفع الحكومة إلى تقديم حوافز مالية للأسر لتشجيع الإنجاب.
واليوم، يواجه المجتمع السعودي مخاوف من وقوعه في سيناريو مشابه، نتيجة انخفاض معدلات الزواج والانجاب، مما قد يؤدي إلى تسارع شيخوخة المجتمع، وما يترتب على ذلك من تحديات تنموية مستقبلية. اذ تشير الإحصائيات إلى تراجع معدلات الزواج في السعودية خلال السنوات الأخيرة، وفقًا لتقرير الهيئة العامة للإحصاء لعام 2024، فقد بلغت نسبة الشباب والشابات الذين لم يسبق لهم الزواج في الفئة العمرية 15-34 سنة 66.23%.
قد تكون التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجها الشباب تحول دون الإقدام على الزواج، مثل ارتفاع تكاليف الزواج وغلاء المهور وبعض العادات والتقاليد التي تفرض التزامات كبيرة على الأزواج. إضافة إلى زيادة تكاليف المعيشة، وصعوبة الحصول على مسكن خاص في ظل تزايد تكاليف العقار والبناء وارتفاع مبالغ الإيجارات.
إضافة إلى أن هناك تحولات ثقافية تدفع بعض الشباب والفتيات إلى تأجيل الزواج، إما بحثًا عن تحقيق الذات مهنيًا أو لاعتبارات شخصية أخرى.
وبالتزامن مع تراجع معدلات الزواج، شهدت السعودية انخفاضًا في معدل الخصوبة حيث أظهرت نشرة إحصاءات التقديرات السكانية لعام 2024، تراجع معدل الخصوبة للسعوديين إلى 2.7 مولود لكل 1000 امرأة، بعد أن كان 3.8 في عام 2011، مما يشير إلى انخفاض تدريجي خلال السنوات العشر الماضية.
يبدو من الواضح انه لم يعد إنجاب عدد كبير من الأطفال هو النمط السائد كما كان في العقود السابقة لدى المجتمع السعودي نتيجة بعض العوامل مثل تغير أنماط الحياة، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، ورغبة الأزواج في التركيز على تربية الطفل وتأهيله بدلاً من الانجاب العشوائي.
هنا نحتاج إلى التوقف والتفكير حيث أن الاستمرار هذا الاتجاه دون تدخلات فعالة، وإيجاد استراتيجية سكانية فقد تواجه السعودية تحديات مستقبلية كنقص القوى العاملة نتيجة انخفاض عدد الشباب، مما قد يبطئ عجلة التنمية الاقتصادية.
ومع ازدياد نسبة كبار السن، ستتزايد الحاجة إلى الإنفاق على الرعاية الصحية والتقاعد، مما يشكل ضغطًا على ميزانية الدولة، ووجود نسبة كبيرة من كبار السن مقارنة بالشباب قد يؤدي إلى ركود اقتصادي على غرار ما يحدث في اليابان وإيطاليا.
لا تزال السعودية في مرحلة مبكرة من هذه التحولات الديموغرافية، وإن التحرك السريع واتخاذ السياسات المناسبة سيحدد شكل المستقبل. فالتاريخ أثبت أن المجتمعات التي تواجه الشيخوخة دون تخطيط استراتيجي تعاني لاحقًا من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة. ومن هنا، فإن تحفيز الشباب على الزواج والإنجاب لا يعد مجرد خيار، بل ضرورة لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للمملكة.
التعليقات