الأربعاء ٢ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٤ شوال ١٤٤٦ هـ

وقفة مع الآلات والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي ( تهامة والسراة أنموذجا ) – بقلم أ.د غيثان بن علي بن جريس

وقفة مع الآلات والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي ( تهامة والسراة أنموذجا ) – بقلم أ.د غيثان بن علي بن جريس

 

كتابة تاريخ دقيق لهذه المحاور المذكورة في العنوان تحتاج إلى جمع ودراسة وتحليل جاد. وتعد من الموضوعات الحديثة والمعاصرة التي مارسها وعرفها الناس في كل مكان، ولها آثار إيجابية وسلبية متعددة. وسبق أن أشرت إليها في بعض بحوثي التي صدرت خلال العقدين الأخيرين (1426ــ 1445هـ/2005ــ 2024م). وكان آخرها بعض التوثيقات عن: المواصلات، والاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحديث ، الذي نشر في موسوعة ( القول المكتوب في تاريخ الجنوب ) ، الجزء ( 29 ) ، ص 326 – 36 . ولا أقول أنني استوفيت كل شيء في هذه الدراسة، لكنها لبنة أولية لدراسات متعددة ومطولة .

 

في الفقرات التالية أوثق بعض الجوانب التاريخية الحديثة والمعاصرة العامة عن الآلات والتقنية الحديثة التي ظهرت في السروات وتهامة( من مكة المكرمة والطائف إلى جازان ونجران ) من بداية القرن الهجري الماضي حتى الآن ( 1446/ 2025)، وأدونها على النحو الآتي:
 
1ــ ​من يدرس تاريخ البلاد خلال القرون الماضية المتأخرة حتى منتصف القرن(14هـ/20م) يجد أن السكان يتعاملون مع إمكانات بيئاتهم حسب ظروفهم المعاشية، وقدراتهم الاقتصادية. وكانت معظم أدواتهم وموادهم التي يستخدمونها في بيوتهم، ومهنهم الداخلية والخارجية، الصغيرة والكبيرة تقليدية ومحلية، وجميعها من الأدوات الخشبية، أو الحديدية، أو الفخارية وغيرها. وإذا تأملنا في الأجهزة أو المواد في البناء والعمارة، أو الرعي، والزراعة، والتجارة، أو الصناعات والحرف التقليدية أو الأدوات المنزلية، أو معدات الصيد، والمواصلات، أو في حالتي السلم، والحرب فكلها صناعة يدوية، والصناع المهرة الذين يصنعونها من أهل البلاد (سراة وتهامة) .
 
2 ــ ​رأيت أثناء رحلاتي في البلاد مئات الآبار والقصور وبعض المعالم العمرانية التي يغلب عليها الضخامة في أحجارها وأخشابها، أو صعوبة أرضها عند حفر أساسات البناء، أو حفر الآبار التي أحياناً تكون أرضياتها من الحجارة القوية الصماء، ولا يمكن تفتيتها وتكسيرها إلا بأدوات قوية، وجهود بشرية جبارة. وسألت بعض العارفين عن كيفية إنجاز تلك الأعمال الشاقة، فأخبرني بعض الرواة أن أدوات حفر الأرض الشديدة، وتكسير الحجارة الكبيرة تتم بأدوات حديدية مصنوعة محلياً، وأحياناً تستورد بعض الآلات التقليدية من أسواق عديدة في الحجاز أو اليمن. وكذلك البارود وبعض مواد التفجير التي تستخدم أثناء تكسير حجارة البناء وتسويتها واصلاحها.
 
3 ــ ​كان هناك الآلات وأدوات تستخدم في ميادين الحروب وبعض الحفلات الاجتماعية مثل: السيوف، والخناجر، والبنادق المتنوعة. وبعضها تُصنع محلياً أو تستورد من خارج البلاد. أما البنادق فجميعها تصنع خارج البلاد، وكثير منها تستورد من دول عربية وأجنبية. والدارس لتاريخ الإمبراطورية العثمانية، يجد أنها استخدمت أسلحة أخرى حديثة كالدبابات، والعرادات والمنجنيقات، ودروع، وقلنسوات، وآلات ومعدات أخرى بعضها مصنوعة في عدد من بلدان الدولة العثمانية، وأخرى تم جلبها من دول أجنبية شرقية وغربية.
 
4 ــ ​من يبحث في المصادر والوثائق خلال النصف الأول من القرن(14هـ/19ــ20م) عن الآلات ووسائل المواصلات والتواصل والتقنية فإنه سيجد بدايات بعضها. فالدولة العثمانية أحضرت مع جيوشها بعض المعدات العسكرية والمدنية التقليدية والحديثة. وإذا كانت وسائل المواصلات البرية قديماً تعتمد بشكل كلي على المشي على الأقدام، واستخدام الدواب كالجمال والحمير، إلا أن السيارات بدأت تظهر في الحجاز في نهايات النصف الأول من القرن الهجري الماضي. أما السفن والبواخر والأشرعة البحرية، فهي وسيلة قديمة، وتطورت إلى حدما في عهد الإمبراطورية العثمانية. أما الاتصالات والتواصل فكان عن طريق البريد البري، والحمام الزاجل، ودواب الركوب وغيرها. ثم ظهرت المبرقات. أو اللاسلكي، لكنها كانت متواضعة في أدواتها وإمكاناتها الفنية والمادية.
 
5 ــ ​صارت أرض تهامة والسراة تحت سيطرة المملكة العربية السعودية خلال النصف الثاني من القرن الهجري الماضي، وبدأ التطوير الحديث للأرض والسكان. ووصلت بعض الآلات الحديثة إلى مدن وحواضر الطائف، وغامد وزهران، وبيشة، وأبها وغيرها. وكانت وسائل المواصلات الحديثة وتحديداً السيارات تظهر وتزيد أعدادها في مناطق جنوب المملكة، ولم نصل إلى العقد الثامن من القرن الماضي إلا أنواع عديدة من المركبات الصغيرة والكبيرة وصلت إلى معظم مدن تهامة والسراة، وفي التسعينيات وبداية هذا القرن(15هـ/20م) شقت الكثير من الطرق الكبيرة والصغيرة، الطويلة والقصيرة التهامية والسروية في بلدان عسير، وجازان، ونجران، والباحة. وتكاثرت أعداد وأنواع السيارات، ووصلت آلات أخرى عديدة كالحراثات، ومكائن رفع المياه، ومعدات عسكرية، واقتصادية، ومدنية متنوعة تستخدم لأغراض عامة وخاصة.
 
6 – اطلعت على وثائق ومخطوطات كثيرة، وسمعت روايات شفهية متعددة تشير إلى تأسيس إدارات حديثة مثل البرقيات واللاسلكي في عدد من مدن السراة وتهامة منذ خمسينيات القرن الهجري الماضي، ثم تطورت حتى أصبحت في نهاية القرن نفسه مؤسسات كبيرة تشتمل على البريد الجوي، والبري، والبحري، والهاتف. كما وصلت خدمة الراديو مبكراً، ثم أنشئت إدارات للإذاعة، والتلفزيون الأبيض والأسود، ثم الملون.
 
7 – بحثت في بعض مجالات التنمية الحديثة في جنوب البلاد السعودية خلال القرن الهجري الماضي، ووجدت الكثير من الآلات والتقنيات الحديثة التي ظهرت في حواضر تهامة والسراة الكبيرة، كانت معظمها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن نفسه. ومن تلك الآلات والأجهزة المولدات الكهربائية الحكومية والأهلية، والعديد من المدن الصناعية والأسواق التجارية التي تعمل وتعرض أنواع كثيرة من المعدات والأدوات المنزلية، والزراعية والصناعية الحرفية، وقطع غيار لمعظم السيارات وغيرها. والمعدات العسكرية الأرضية، والجوية والبحرية، وآلات أخرى لاستخدامات مدنية متنوعة.
 
8 ــ ​بدأت حياتي الأولى في محافظة النماص، ثم انتقلت إلى أبها، واستمريت أتجول في ربوع بلادي خلال هذا القرن (15هـ/20ــ21م)، وكنت ومازلت أشاهد تاريخ التطور الحديث يصل إلى كل مكان ويشمل كل قطاع مدني وعسكري، حضري، وريفي، وبدوي، عام وخاص. وإذا ركزت جهدي على تاريخ الآلة الحديثة، والتقنية ووسائل المواصلات والاتصالات خلال القرن الحالي، فإن ذلك يحتاج مني جهوداً كبيرة لأنجز عمل بحثي متكامل، واكتفيت بذكر إشارات عامة ومحدودة لعلها تفتح أبواباً أوسع لغيري فتدرس وتوثق في أعمال جادة ومطولة. واكتب في الفقرات التالية لمحات مما عرفته أو سمعت عنه.
 

أ – شاهدت خلال العشرين سنة الأولى من هذا القرن (15هـ/20م) حركة تنموية حديثة واسعة شملت جميع القطاعات الحضارية. فجميع مؤسسات الدولة تمارس أعمالها المتنوعة مستخدمة أجهزة الهاتف، والنسخ، والتصوير. ومعظم القطاعات العسكرية والمدنية الفنية كالكهرباء والصيانة والتشغيل، وإدارات الثقافة والإعلام، والزراعة، والصناعة والتجارة ، والتعليم العام والجامعي، والمعاهد والثانويات والكليات المهنية والتقنية، والبناء والعمران، والمواصلات بأنواعها وغيرها استخدمت أنواع كثيرة من الآلات الحديثة وشيئاً من التقنيات لإنجاز أعمالها.

 

ب – كنت في العقدين الأوليين من هذا القرن (15هـ/20م) أذهب إلى بعض القطاعات الحكومية في الطائف، وعسير، ونجران. وأزور بعض المستشفيات المدنية والعسكرية، وأتردد على كليات فرعي جامعتي الإمام محمد بن سعود الإسلامية والملك سعود في أبها وبخاصة كلية الطب، وبعض الأقسام العلمية في كلية التربية، وأزور فرع شركة الكهرباء، وإدارات وأقسام البرق والبريد والهاتف في بعض مدن تهامة والسراة الكبيرة، وأتوقف عند بعض المعارض التجارية التي تبيع السيارات والآلات والمعدات المتنوعة، أو الأدوات الزراعية، والصناعية، والمكتبية، والمنزلية، والطبية، والرياضية، والتعليمية وغيرها، وجميعها موجودة ومستخدمة للأغراض والأهداف التي جلبت لها. وكلها تستورد من خارج المملكة العربية السعودية، ولها موردين وتجار كبار في حواضر جدة، والرياض والمنطقة الشرقية يأتون بها من بلدانها التي صنعتها وصدرتها.

 

ج – لا أعرف ولم أشاهد استخدام جهاز الكمبيوتر في مناطق السراة وتهامة خلال العقد والنصف الأول من هذا القرن(15هـ/20م)، وكانت جميع الأعمال في كل المؤسسات والإدارات والأقسام الرسمية والأهلية يدوية. وربما بعض القطاعات العسكرية والمدنية الحساسة والمهمة كانت مرتبطة تقنياً مع مراكز رئيسية في الوزارات والمؤسسات الرئيسية بالرياض. وهذا الذي عرفته وشاهدته في كليات فرع جامعة الملك سعود في أبها(التربية، والطب)، فقد كانت مرتبطة فقط في رصد درجات الامتحانات النهائية وإعلان النتائج مع مركز الكمبيوتر المركزي بالجامعة الأم في الرياض.

 

د – استمرت وسائل الاتصال والتواصل السابقة وتطورت كالهاتف والبرق واللاسلكي،وتوسعت من المدن الرئيسية إلى الكثير من المحافظات والقرى والأرياف، وكانت الأجهزة الرئيسية المستخدمة في جميع القطاعات الرسمية والأهلية. ومنذ منتصف العقد الثاني من هذا القرن (15هـ/20م) ظهرت آلة (البيجر)، لكنها لم تستمر طويلاً لظهور الهاتف النقال (الجوال)، وبدأ نظام البريد الإلكتروني (الإيميل) يستخدم في بعض مدن السروات وتهامة مع مطلع عشرينيات هذا القرن. وظهرت العديد من الآلات وأدوات التقنية المستخدمة في مجالات إدارية واقتصادية وفنية وحضارية متعددة.

 

هـ – رأيت في العشرين سنة الأخيرة(1425ــ1445هـ/2004ــ2024م) ، تطوراً كبيراً جداً في عالم التقنية، وصارت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) السائدة والمهيمنة على كل شيء في حياة الناس. ولا نجد أي قطاع من مجالات الحياة المدنية أو العسكرية، العامة أو الخاصة إلا صار الإنترنت لاعباً رئيسيًّا فيها. وإذا أخذنا أي آلة صناعية نجد أنها تطورت كثيراً عما كانت عليه في القرن الهجري الماضي والعقد الأول من هذا القرن (15هـ/20م)، وصارت الشبكة العنكبوتية تتدخل في جوانب عديدة من نظام المعدات والآلات الصناعية المتنوعة.

 

أما مجال الاتصالات والتواصل الفضائي فذلك القطاع الذي تأثر بشكل منقطع النظير، وأصبح الإنترنت المحرك الأساسي والرئيسي لعالم التواصل والاتصالات في أرجاء الكرة الأرضية. ومن معاصرتي ومشاهداتي لهذا التطور الفني التقني، فقد بدأ في تهامة والسراة تدريجياً من بداية عشرينيات هذا القرن، ثم تقدم وتطور بطريقة مذهلة خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة (1430ــ 1445هـ/ 2010ــ 2024م). والذاهب في أنحاء البلاد يجد أن هذا الانفجار التقني صار معمولاً به في كل إدارة ومؤسسة حكومية وأهلية، صغيرة وكبيرة، وامتدت آثاره الإيجابية والسلبية من خلال وسائل التواصل إلى كل فرد ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنيًّا.

 

أعلم أنني قصرت في توثيق صورة وافية عن المعدات والآلات والتقنية ووسائل الاتصالات والتواصل الحضاري الحديث الذي عرفته أوطان السروات وتهامة خلال العقود الماضية المتأخرة. وهذه المحاور مجالات واسعة تحتاج أن يُكتب فيها كتب ودراسات عديدة. وإذا تأملنا في حياة الناس مع هذه المخترعات في العقود المتأخرة وقارناها بالقرون القريبة الماضية فليس هناك وجه مقارنة. لأن التطور الذي طرا على هذه الميادين التقنية والصناعية الحديثة يفوق خيال الإنسان، وفي فترة قصيرة لا تزيد عن خمسين عاماً.

 

ومن يتابع حالياً ما يجري في هذه القطاعات من تطورات سريعة ومتتالية ، فإنه يصاب بالحيرة والذهول. واسمع وأقرأ في هذه الأيام عن الذكاء الاصطناعي الذي بدأت تظهر بوادره وآثاره في وسائل الإعلام، ويُدرّس في المدارس والكليات، ويتحدث عنه بعض المتخصصين في علوم الحاسب الآلي ومجالات التقنية، فيذكرون قصصاً تشبه الخيال، عما سيحدث للبشرية من آثار سلبية وإيجابية بعد انتشار وتغلغل هذه التقنيات الحديثة القادمة، وسوف يأتي في قادم الأيام ابتكارات أكثر تطوراً وهيمنة مما نراه ونعيشه في الوقت الحاضر. والحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول البشير ، محمد رسول الله .

 
 

التعليقات

تعليق واحد على "وقفة مع الآلات والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي ( تهامة والسراة أنموذجا ) – بقلم أ.د غيثان بن علي بن جريس"

  1. الله الله! ، تبارك الله مثري البحر بالسفن، والله يا أستاذنا، أما السكاكر هذه فمناحل لم يقتطف أقراصها من قبل ناحلْ، بيض الله وجهك.
    شكرا لأستاذنا الكبير بحجم هذا الإثراء، ولطالما تُقنا لمعرفة بعض هذه العجائب من أسماء الآلات ووسائل التواصل القديمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *