كتابة تاريخ دقيق لهذه المحاور المذكورة في العنوان تحتاج إلى جمع ودراسة وتحليل جاد. وتعد من الموضوعات الحديثة والمعاصرة التي مارسها وعرفها الناس في كل مكان، ولها آثار إيجابية وسلبية متعددة. وسبق أن أشرت إليها في بعض بحوثي التي صدرت خلال العقدين الأخيرين (1426ــ 1445هـ/2005ــ 2024م). وكان آخرها بعض التوثيقات عن: المواصلات، والاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحديث ، الذي نشر في موسوعة ( القول المكتوب في تاريخ الجنوب ) ، الجزء ( 29 ) ، ص 326 – 36 . ولا أقول أنني استوفيت كل شيء في هذه الدراسة، لكنها لبنة أولية لدراسات متعددة ومطولة .
أ – شاهدت خلال العشرين سنة الأولى من هذا القرن (15هـ/20م) حركة تنموية حديثة واسعة شملت جميع القطاعات الحضارية. فجميع مؤسسات الدولة تمارس أعمالها المتنوعة مستخدمة أجهزة الهاتف، والنسخ، والتصوير. ومعظم القطاعات العسكرية والمدنية الفنية كالكهرباء والصيانة والتشغيل، وإدارات الثقافة والإعلام، والزراعة، والصناعة والتجارة ، والتعليم العام والجامعي، والمعاهد والثانويات والكليات المهنية والتقنية، والبناء والعمران، والمواصلات بأنواعها وغيرها استخدمت أنواع كثيرة من الآلات الحديثة وشيئاً من التقنيات لإنجاز أعمالها.
ب – كنت في العقدين الأوليين من هذا القرن (15هـ/20م) أذهب إلى بعض القطاعات الحكومية في الطائف، وعسير، ونجران. وأزور بعض المستشفيات المدنية والعسكرية، وأتردد على كليات فرعي جامعتي الإمام محمد بن سعود الإسلامية والملك سعود في أبها وبخاصة كلية الطب، وبعض الأقسام العلمية في كلية التربية، وأزور فرع شركة الكهرباء، وإدارات وأقسام البرق والبريد والهاتف في بعض مدن تهامة والسراة الكبيرة، وأتوقف عند بعض المعارض التجارية التي تبيع السيارات والآلات والمعدات المتنوعة، أو الأدوات الزراعية، والصناعية، والمكتبية، والمنزلية، والطبية، والرياضية، والتعليمية وغيرها، وجميعها موجودة ومستخدمة للأغراض والأهداف التي جلبت لها. وكلها تستورد من خارج المملكة العربية السعودية، ولها موردين وتجار كبار في حواضر جدة، والرياض والمنطقة الشرقية يأتون بها من بلدانها التي صنعتها وصدرتها.
ج – لا أعرف ولم أشاهد استخدام جهاز الكمبيوتر في مناطق السراة وتهامة خلال العقد والنصف الأول من هذا القرن(15هـ/20م)، وكانت جميع الأعمال في كل المؤسسات والإدارات والأقسام الرسمية والأهلية يدوية. وربما بعض القطاعات العسكرية والمدنية الحساسة والمهمة كانت مرتبطة تقنياً مع مراكز رئيسية في الوزارات والمؤسسات الرئيسية بالرياض. وهذا الذي عرفته وشاهدته في كليات فرع جامعة الملك سعود في أبها(التربية، والطب)، فقد كانت مرتبطة فقط في رصد درجات الامتحانات النهائية وإعلان النتائج مع مركز الكمبيوتر المركزي بالجامعة الأم في الرياض.
د – استمرت وسائل الاتصال والتواصل السابقة وتطورت كالهاتف والبرق واللاسلكي،وتوسعت من المدن الرئيسية إلى الكثير من المحافظات والقرى والأرياف، وكانت الأجهزة الرئيسية المستخدمة في جميع القطاعات الرسمية والأهلية. ومنذ منتصف العقد الثاني من هذا القرن (15هـ/20م) ظهرت آلة (البيجر)، لكنها لم تستمر طويلاً لظهور الهاتف النقال (الجوال)، وبدأ نظام البريد الإلكتروني (الإيميل) يستخدم في بعض مدن السروات وتهامة مع مطلع عشرينيات هذا القرن. وظهرت العديد من الآلات وأدوات التقنية المستخدمة في مجالات إدارية واقتصادية وفنية وحضارية متعددة.
هـ – رأيت في العشرين سنة الأخيرة(1425ــ1445هـ/2004ــ2024م) ، تطوراً كبيراً جداً في عالم التقنية، وصارت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) السائدة والمهيمنة على كل شيء في حياة الناس. ولا نجد أي قطاع من مجالات الحياة المدنية أو العسكرية، العامة أو الخاصة إلا صار الإنترنت لاعباً رئيسيًّا فيها. وإذا أخذنا أي آلة صناعية نجد أنها تطورت كثيراً عما كانت عليه في القرن الهجري الماضي والعقد الأول من هذا القرن (15هـ/20م)، وصارت الشبكة العنكبوتية تتدخل في جوانب عديدة من نظام المعدات والآلات الصناعية المتنوعة.
أما مجال الاتصالات والتواصل الفضائي فذلك القطاع الذي تأثر بشكل منقطع النظير، وأصبح الإنترنت المحرك الأساسي والرئيسي لعالم التواصل والاتصالات في أرجاء الكرة الأرضية. ومن معاصرتي ومشاهداتي لهذا التطور الفني التقني، فقد بدأ في تهامة والسراة تدريجياً من بداية عشرينيات هذا القرن، ثم تقدم وتطور بطريقة مذهلة خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة (1430ــ 1445هـ/ 2010ــ 2024م). والذاهب في أنحاء البلاد يجد أن هذا الانفجار التقني صار معمولاً به في كل إدارة ومؤسسة حكومية وأهلية، صغيرة وكبيرة، وامتدت آثاره الإيجابية والسلبية من خلال وسائل التواصل إلى كل فرد ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنيًّا.
أعلم أنني قصرت في توثيق صورة وافية عن المعدات والآلات والتقنية ووسائل الاتصالات والتواصل الحضاري الحديث الذي عرفته أوطان السروات وتهامة خلال العقود الماضية المتأخرة. وهذه المحاور مجالات واسعة تحتاج أن يُكتب فيها كتب ودراسات عديدة. وإذا تأملنا في حياة الناس مع هذه المخترعات في العقود المتأخرة وقارناها بالقرون القريبة الماضية فليس هناك وجه مقارنة. لأن التطور الذي طرا على هذه الميادين التقنية والصناعية الحديثة يفوق خيال الإنسان، وفي فترة قصيرة لا تزيد عن خمسين عاماً.
ومن يتابع حالياً ما يجري في هذه القطاعات من تطورات سريعة ومتتالية ، فإنه يصاب بالحيرة والذهول. واسمع وأقرأ في هذه الأيام عن الذكاء الاصطناعي الذي بدأت تظهر بوادره وآثاره في وسائل الإعلام، ويُدرّس في المدارس والكليات، ويتحدث عنه بعض المتخصصين في علوم الحاسب الآلي ومجالات التقنية، فيذكرون قصصاً تشبه الخيال، عما سيحدث للبشرية من آثار سلبية وإيجابية بعد انتشار وتغلغل هذه التقنيات الحديثة القادمة، وسوف يأتي في قادم الأيام ابتكارات أكثر تطوراً وهيمنة مما نراه ونعيشه في الوقت الحاضر. والحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول البشير ، محمد رسول الله .
التعليقات
تعليق واحد على "وقفة مع الآلات والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي ( تهامة والسراة أنموذجا ) – بقلم أ.د غيثان بن علي بن جريس"
الله الله! ، تبارك الله مثري البحر بالسفن، والله يا أستاذنا، أما السكاكر هذه فمناحل لم يقتطف أقراصها من قبل ناحلْ، بيض الله وجهك.
شكرا لأستاذنا الكبير بحجم هذا الإثراء، ولطالما تُقنا لمعرفة بعض هذه العجائب من أسماء الآلات ووسائل التواصل القديمة.