.
لطالما كنا نسمع عن تونس الخضراء، فعندما تتردد عبارة الخضرة والماء والوجه الحسن فإن القلوب تهفو إلى تونس، ساكنيها في تلك الحقبة في رغدٍ من العيش، القلوب متآلفة، والأمن الوارف يسودها في كل الأرجاء، حتى أضحت مزاراً للسائحين من كل أقطار العالم.
أردت الوقوف على الحقيقة، فليس من رأى كمن سمع، فشددت الرحال إلى تونس التي لم يتسنى لي زيارتها من قبل، ونظراً لكون المطار في كل بلاد الدنيا هو الواجهة، من خلاله تبدأ تنكشف لك حقيقة هذا البلد أو ذاك، فقد أمضيت ما يقارب الساعة بانتظار السماح بالعبور لعدم وجود حجوزات سابقة بالفندق، بانتظار التزود بالعملة المحلية وشرائح الاتصال، في نهاية المطاف تمت إجراءات الدخول بعد مشقة وعناء.
ولكون الشيء بالشيء يذكر، فإن الشعب في تونس طيب المعشر، يتفانى في عمله، يكدح من أجل تأمين متطلبات الحياة اليومية، اللافت للنظر عندما يحل الظلام تتوقف الحياة سوى العدد اليسير من السيارات المارَّة على الطرق السريعة، وبعد العاشرة ليلاً لا تنشط سوى خفافيش الظلام البشرية.
عندما أردت التجول داخل البلدة القديمة مشياً على الأقدام صباحاً وجدت التحذير من موظفي الفندق والمقاهي المجاورة لشارع الحبيب بورقيبة وضرورة الانتباه وعدم السير وحيداً وأخذ الحيطة والحذر والحركة بسيارة الأجرة، تيقنت بعدها بصعوبة البقاء في تونس بعد كل التحذيرات التي صدقها الفعل تماماً، فكثيراً ما تجد فئة الشباب العاطلين الذين يرمقون السائح بالأبصار ويلاحقونه ويسألونه عن بلده ومكان إقامته أو يمتهنون التسول …الخ.
في اليوم التالي أردت مغادرة تونس بعد أن أمضيت تلك الليلة قريباً من الفندق، وفي المطار لم يتم السماح بالمرور لوجود عملة محلية يتطلب التخلص منها والخروج بلا نقود فعدت من حيث أتيت للفندق مرة أخرى بانتظار الحجز والتأكيد في اليوم التالي خالي الوفاض من أي عملة محلية أو أجنبية.
في الطريق للفندق لمحت سفارة بلادنا “المملكة العربية السعودية”، شعرت بالأمن والأمان، قررت الزيارة للسفارة، شعرت بالبهجة والفخر والاعتزاز عندما وصلت لمقر السفارة، استقبلني أفرادها بالبشر والترحيب، أفاضوا علينا بكرم الضيافة وتقديم المساعدة في حال تطلب الأمر مادياً ومعنوياً، حدثتهم بالمعاناة، استفدت بعض النصائح والتوجيهات التي تتعلق بالقوانين عند القدوم والمغادرة، قدمت لهم الشكر والتقدير شفهياً مع رسالة خطية، ثم غادرت مقر السفارة.
على الرغم من فترة البقاء في تونس يومين متتاليين انتقلت بين الفندق والمطار مروراً بسفارة بلادنا – حرسها الله – دون التمكن من التجول في مدن تونس، لم يبقى في الذاكرة ما يُشار إليه بصورة إيجابية سوى زيارة السفارة، إذ يشعر المواطن السعودي بالفخر والاعتزاز والأمن والأمان أينما حل وارتحل، منذ أن تطأ قدميه أرض المطار مغادراً حتى عودته سالماً.
ويكفي فخراً لكل مواطن سعودي وجود مسار مخصص للمواطنين داخل المطار عند القدوم والمغادرة، ناهيك عن الدور الإيجابي الذي تقدمه سفارات بلادنا لكل مواطنيها بالخارج عند الضرورة، هذا يدعونا إلى استشعار النعم التي أفاء الله بها علينا في هذا الوطن المعطاء في ظل قيادتنا الرشيدة التي تبذل الغالي والنفيس لراحة مواطنيها في كل زمان ومكان؛ أما تونس اليوم فليست كما الأمس، فلم تعُد بعد الثورة خضراء ولا بهية!.
.
التعليقات