.
أدركت إيران منذ تأسيسها بأن السيطرة على الموارد في محيطها العربي يبدأ من السيطرة على العقول أولاً، فاستقطبت صغار السن من بلاد العرب في مدارسها، وأغدقت عليهم المال، ووفَّرت لهم المأوى مع وسائل المواصلات المريحة لنقلهم إلى مدارسها الفكرية لتُغذِّي عقولهم بما تشاء، كما تُغذِّي أجسامهم وتكسو أبدانهم بما يشاءون.
لم يكن خفياً لدى إيران في محيطها العربي من يَتبَع لها فكرياً ومذهبياً وعقائدياً منذ الأزل، يحظون منها بالدعم الدائم، لسانهم عربي، وفكرهم صفوي، هم طليعتها لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية، باستقطاب الشرائح المجتمعية التي تختلف معها مذهبياً من خلال رفع لافتة الانتصار للمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية، فطالما كان المُراد هو السيطرة على موارد العرب فلا يُضيرها أن تتعرَّض للحصار الاقتصادي أو حتى لبعض الهجمات العسكرية دون أن يُحرِّك ذلك من ساكنها، فالأهداف التي تسعى إليها بعيدة المدى تتطلب المزيد من الوقت.
أعادت انتاج الفكر الصفوي في دول الجوار العربي، في العراق وسوريا ولبنان واليمن عبر نشر الملازم والكتب والمنشورات على الطبقات الاجتماعية الفقيرة أو يغلب عليها الجهل، فاستغلت تلك الطبقات ليكونوا رسلاً لها في المستقبل تبني عليهم آمالها لحمل ذلك الفكر في كل أرجاء الوطن العربي. كما أسهمت الفوضى الخَلَّاقة في البلدان الأربع سالفة الذكر في إقامة الأذرع العسكرية، كالحشد العراقي وحزب لبنان وأنصار اليمن وفيلق القدس، انتهت أخيراً بمنظمة حماس التي تأتلف معها منهجاً وتختلف معها مذهباً، تلك الأذرع العسكرية أحالت أوطانها خراباً ودماراً.
مخططات ايران بالمنطقة العربية لا تخفى، فهي ظاهرة للعيان، تستمد قوتها من الصهيونية العالمية التي تسمح لها بالمناورة في محيطها العربي والتوسع الجغرافي لاستكمال مشروع الهلال الشيعي، في الوقت ذاته تدرك بأن لإسرائيل أطماعاً توسعية في دول الجوار لا تنازعها فيها تسمح بإقامة “إسرائيل الكبرى” من النيل للفرات دون النظر إلى المناوشات التي تحدث بين الفينة والأخرى بين الطرفين، فالاختلاف إنما هو على تقاسم النفوذ ليس أكثر.
في ذات السياق نجد تركيا العثمانية تُحاول وتُجنِّد أتباعها بتُوفّيِر الدعم بكافة أشكاله وصوره عبر أذرعها الإعلامية، وتطمح بإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، فالدول الثلاث لها مشاريعها الاستعمارية، مع اختلاف قوى التأثير في المحيط العربي، فإيران فكرياً، وإسرائيل عسكرياً، وتركيا إعلامياً. وليس من سبيل للحد من تلك المشاريع الاستعمارية التي تستهدف أمن المنطقة ومستقبلها سوى وجود مشروع عربي مشترك من خلال وحدة الصف في كل المجالات ( أمنياً – عسكرياً – سياسياً – اقتصادياً )، حتى لا نقول بعد فوات الأوان ( إنما أُكلت يوم أكل الثور الأبيض ).
.
التعليقات