.
الحرب خدعة عند كل العقلاء في العالم، بل حتى عند الجاهلين الحمقى، ماعدا ايران التي اعتادت على تلقي الخسائر في الأرواح خارج حدودها؛ خصومها في السر والعلانية – أمريكا وإسرائيل- يتبادلان الشتائم بين الفينة والأخرى، فمنذ أن نشأت ايران الفارسية الحديثة في العام 1979م حتى اليوم وهي تتوعد خصومها بالويل والثبور وعظائم الأمور في كل مرة يتم استهدافها.
التهديد والوعيد الذي تُصرِّح به ايران لم يغني عنها شيئاً، فها هي سفارتها في دمشق تتعرض للتدمير وعدد من القتلى ضحايا ذلك الاستهداف، انتظرت وقتاً طويلاً لترى ردود الفعل الدولية على هذا الحدث، أظهرها في موقف الضعف والحرج أمام الموالين لها عقائدياً، حتى العالم لم يتعاطف معها كأي دولة أخرى تتعرض سفارتها للقصف والتدمير.
يُخطئ من يعتقد أو يظن بأن ايران لديها القدرة على اطلاق مقذوف خارج حدودها دون علم الإدارة الأمريكية، هذا في حال كان الهدف ليس له علاقة مباشرة معها، أما عندما يكون الهدف يمس المصالح لدى أمريكا وإسرائيل تحديداً فإن إخطارها بالعمليات وحده لا يكفي، بل يجب أخذ الإذن وتحديد المكان والزمان وطريقة التنفيذ، هذا يبدو ظاهراً جلياً في العملية التي أفصح عنها – ترمب – مؤخراً عندما كان في نهاية رئاسته لأمريكا.
تكشف الأحداث الأخيرة بين ايران وإسرائيل صحة ما يعتقده الكثيرون حول تخادم الدولتين، فقد كانت سماء العراق وسوريا والأردن مسرحاً للمقذوفات الكرتونية التي اطلقتها ايران باتجاه إسرائيل دون المساس بأذى للمكان المستهدف، تساقط أكثرها في طريقه خلال ساعات الليل التسعة التي استغرقها عبور المقذوفات، وانتهى ما تبقى منها في صحراء النقب، والمحصلة النهائية كانت صفراً.
مع أن ايران لا تكترث بالدم العربي الذي ينزف في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين من قبل ميليشياتها والموالين لها مذهبياً، فهي لا تكترث بالدم الفارسي الذي ينزف أيضاً عندما يكون الفاعل – أمريكا وإسرائيل- سوى بعض الضجيج الإعلامي الذي يُصدِّقه العامَّة في كل أرجاء الوطن العربي.
الذي لا يعلمه الكثيرون أن المقذوفات التي انطلقت من ايران باتجاه إسرائيل مؤخراً استفادت منها الأخيرة كثيراً على المستوى المحلي، فقد وحَّدت الصف الاسرائيلي حول قيادته بعد أن كان منقسماً على نفسه بانتهاء المظاهرات، وانصرفت أنظار العالم عن ما يجري في غزة، وانخفض مستوى الضغط الدولي على الكيان الاسرائيلي في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
سارعت ايران بعد انتهاء اطلاق المسيرات بالقول بانتهاء العمليات بعد أن حققت أهدافها – طبعاً حسب الرؤية الإيرانية – وأنها على استعداد لإرسال المزيد منها حال تعرض سفاراتها أو إحدى قنصلياتها للاستهداف مجدداً لتذكر اسرائيل بالآية الكريمة في قوله تعالى ( عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ).
.
التعليقات