التواضع صفة إيمانية وأخلاقية وهي من تعاليم الدين وثوابته، والتواضع هو عدم التعالي والتكبر على أحد من الناس مهما كان أقل منزلة منه، والتواضع قمة الأخلاق والفضائل، وهو خلق الأنبياء والصالحين وخلق إنساني نبيل وتهذيب للنفس والمجتمع، ويدل على طهرة النفس ويدعو الى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط والتعاون وينبذ الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، ومن مؤشرات التكبر عدم الاعتذار، وهذه الظاهرة كثيرة عند بعض المسؤولين وبعض المشايخ في القبائل، وبعض أفراد المجتمع لا يعتذر عند الخطأ أو الزلل ويفتقرون الى ثقافة الاعتذار، والاعتذار يريح النفس ويحافظ على الود والتصالح مع الآخر..
وهذه ظاهرة في المجتمع ترفضها الأخلاق والقيم والفضيلة، قال الله تعالى:(ولا تصعر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور)، وقال تعالى : (ولا تمشِ في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )، وقال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلا ما )، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : (ما تواضع أحد لله إلا رفعه)، لا يتواضع إلّا من كان واثقا من نفسه ولا يتكبر إلا من كان عالما بنقصه، ولا يتكبر إلا كل وضيع لا يعرف قدر نفسه ولا قدر غيره..
قال الامام الشافعي : وأقبح شيئا أن يرى المرء نفسه رفيعا وعند العالمين وهو وضيع تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع قال أحد الحكماء عن المتكبرين: وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أدخلوا غصبا الى الناري ليسوا كقوم إذا لاقتهم عرضا مثل النجوم التي يسري بها الساري وهناك أمثلة عظيمة عن التواضع والمتواضعين نستشهد ببعض منها في هذا الموضوع ، من عظمة ما قرأت عن التواضع أنه اثناء خلافة أبوبكر الصديق رضي الله عنه أنه ذات مرة ذهب عمر بن الخطاب ليبحث عن الخليفة أبي بكر في ديوانه فلم يجده فذهب الى منزله فلم يجده ثم الى المسجد فلم يجده، فأخذ يبحث عنه حتى وجده عند امرأة عجوز عمياء يخدمها في بيتها ويطعمها، وبعدما توفي أبو بكر وخلفه عمر في الخلافة رضي الله عنهما قرر أن يتعهد بخدمة وإطعام تلك العجوز العمياء تأسيا بالخليفة أبي بكر وذات مرة أتى بتمر فقدمه لها فقالت أصاحبك قد مات ؟ قال وما أدراك ؟ قالت كان يقدم التمر منزوع النوى وأنت تقدمه لي بالنوى فقال مقولته المشهورة: ( أتعبت من بعدك يا أبا بكر ) قمة التواضع والرحمة..
ومثل آخر في زماننا هذا أن أحدهم (ملياردير) من دولة إسلامية يأتي في أيام موسم الحج أو العمرة فيخلع ملابسه ويلبس ملابس عمال الحرم، فيكنس ويغسل ويطعم بطيبة نفس وبتواضع ويتخفى حتى لا يعرفه أحد والله يعرفه، هذه قمة التواضع ومثل آخر أن عبد الله بن عباس وهو معتكف في المسجد أتاه رجل من العامة يطلب الشفعة لدى رجل آخر في أمر ما فلبّى طلبه وذهب معه، فقال أحدهم يا ابن عباس أنت معتكف قال ابن عباس مرفوعا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الطبراني والحاكم، وقال صحيح الاسناد( لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته ، وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين )..
هذا الحدث يحث على التواضع وقضاء حاجة الناس، فما بالك بمن يملك حاجة أخيه فيمنعها عنه، والله المستعان. إن التواضع يجلب احترام ومحبة الناس والذكر الحسن، ويوجد في مجتمعنا بكل أسف من يمنعهم تكبرهم من التواضع لذوي الحاجة حتى بعض المسؤولين تد خل عليه وحالك ينبئ عن سؤالك فينهرك ويصرفك قبل أن يسمع شكواك أو كلامك، وهناك طرفه أن أحدهم دخل على مسؤول ليقدم له ( عزيمه) و يضيّفه فلم يدع له فرصة الكلام ونهره واشّر لبعض معاونيه بإخراجه من مكتبه، فقال الرجل أتيت لمكتبك أقدم لك (عزيمه ) وأكرمك وأضيفك لكن الفوقية منعتك من أن ترد سلامي أو تسمع كلامي، والله سبحانه استمع الى خوله بنت خويلد التي تجادل الرسول عليه الصلاة والسلام في زوجها، والله استمع إليها في قوله سبحانه: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما)، صدق الله العظيم.
قبل الختام، اللهم احفظ بلد الحرمين الشريفين قيادة وحكومة وشعبا من كل سوء ومكروه.
التعليقات