كلنا يعلم ما للمطبات الصناعية من أثر إيجابي قبل أن يكون لها أثر سلبي، إلا أني اخترت هذا العنوان ليكون لعدد من المطبات التي استوقفتني ليس بسيارتي ولكن من خلال حياتي اليومية، والكل لديه في حياته من تلك المطبات التي تستوقفه قليلاً ثم يواصل حياته الطبيعية، ويحتفظ بتلك المواقف في ذاكرته ما أمكن، وهذه المواقف ترسخت في ذاكرتي وأحببت أن أسرد لكم اليوم بعضاً منها..
المطب الأول / استوقفني مشهد يتكرر.. وهو عدد من المتسولين من جنسيات مختلفة، والذي يجعلني في تفكير أكبر بأنهم لا يعانون من إعاقات بل أراهم في صحة لا تجدها في شبابنا نحن، ولكني أستغل هذا الموقف معهم وأحثهم على العمل وأخبرهم بأنهم سيجدون المال الوفير والمبارك “بإذن الله” أضعاف مما يجمعونه من ريالات معدودة بهذه الطريقة…”ولعلهم يفقهون.” وفي نفس السياق يقابلني أشخاص من جنسيات عربية يطلبون مبلغاً من المال، وحتى لا تضيق عليهم عن سبب طلبهم له وأنهم يستطيعون العمل والكسب الحلال، فإنهم يوجدون الحجة قبل طلبهم للمال، وهي بأن الحال قد انقطع بهم، وهم قادمون من بلادهم ويحتاجون ما يعيدهم إليه.. ولكن جوابي كان جاهزاً لمثل هذه العينات وهي ” عليكم بمراجعة سفارة بلدكم حتى تحل مشكلتكم وتعيدكم إلى بلادكم سالمين غانمين.. وبعد أن يسقط في أيديهم ينصرفون بكل هدوء وسكينة، ويغادرون المكان وهم يتجاذبون أطراف الحديث وكأن شيئاً لم يكن..
المطب الثاني / استغرب من حرص جهات رسمية من مطالباتها بترشيد المياه المعالجة – الصرف الصحي المكرر – وهي بذاتها من تهدره في الأودية والشعاب ولا تستغله بشكل كامل، فتشدد على المزارع والاستراحات التي تستفيد من هذه الخدمة بعمل الترشيد والتقطير، ومن طرفها المتابعة والمعاقبة، وهي من الجانب الآخر تهدر ما تبقى من المياه المعالجة في الأماكن المفتوحة دون الاستفادة منها بالشكل الكامل واستخدام الادوادت الإرشادية لاستهلاكها هي كمؤسسة رسمية… وما شد انتباهي لهذا الأمر “هو أن تجعل تلك الجهة الرسمية أماكن تجمع لتلك المياه المعالجة، وبالتالي تقيم على حوافها الحدائق والمتنزهات وبذلك تنقطع مشكلة هدر تلك المياه المعالجة التي تكلف الدولة ملايين الريالات إلى الاستفادة منها بنسبة 100% وليس بأقل من ذلك.. وبهذا يكون الترشيد من جهة المستفيد ومن الجهة القائمة عليه .. وبالتالي لا ينظر للترشيد بعين واحدة.
المطب الثالث / استوقفني شخص من جنسية عربية قبل حوالي ثماني سنوات، ولفت نظري إليه أناقته ولبسه للثوب السعودي بشكل لافت للنظر.. جلست معه في “مقهى” وبما أننا الوحيدين فيه فأحببت أن أساله عن عمله فأجابني بأنه بعمل في سوق الخضار، فسألته “بأنه لا يوجد عليه أثر التعب أو الإجهاد أو اتساخ الملابس” وقلت إن أناقتك وشياكتك لا تدل على من يعمل في هذا المجال.. فتبسم وقال لي “أنا فقط شريطي أشتري في خلال دقائق وأبيع في دقائق معدودة”، فسألته عن ماهية بيعه وماهية بضاعته.. فقال بأنه يشتري “تريلة “بصل” يومياً بعد الفجر ويبيعها مجزئة في نفس الوقت على السيارات الصغيرة من أصحاب محال الخضار.. ولكني أحببت الدخول في التفاصيل حتى أطلع على مزيد من المعلومات عن هذا الشخص، فسألته عن قيمة “التريلة” المحملة بالبصل وهل يدفع تلك القيمة فورا وكاش دفعة واحدة.. فقال “نعم” أدفعها دفعة واحدة وقيمة “التريلة” الواحدة سبعون ألف ريال، ومن ثم أحببت أن أغوص في التفاصيل فسألته “كم تربح في كل يوم من هذه البيعة.. فقال أربح من ألف ريال إلى الفان وخمسمائة ريال، بالإضافة إلى عودة رأس مالي.. فاستوقفني هذا الأمر الذي يقوم به هذا الوافد والذي يربح منه في دقائق معدودة ما يقرب من ثلاثين ألف ريال في شهرياً كأقل تقدير.. وعليك الحساب كم ستكون أرباحة في العام كاملاً.. وسؤالي أين جهاتنا الرقابية، وأين شبابنا من هذه الكنوز التي نهبها الوافدون.
المطب الرابع / في هذا المطب استوقفني مشهد غريب على مجتمعنا وبيئتنا العربية الأصيلة، وقد يكون الجميع شاهد ذلك كما شاهدته أنا بنفسي.. ففي ذات صباح وعند خروجي من منزل أحد الأقارب وإذا بي أشاهد شاباً في الثلاثين من عمره يلبس الزي الرياضي وبيده حبالاً لا يتجاوز المتر والنصف ومربوط بنهايته “كلب” وهذا الكلب يتصف بقصر القامة وشعره متوسط الطول، فترجلت من سيارتي وتركتها تسخن وتوجهت إليه وألقيت عليه السلام، وسألته عن هذا “المزيون” وكم سعره ومن أي بلد إشريته، ولم يكن ذلك الا من باب حب الاستطلاع والنظر في هذه العادة الدخيلة علينا بشكل لافت للنظر، فأخبرني بأنه قد إشتراه من دولة أوروبية أسماها لي “ولكني نسيتها”، فسألته عن قيمة هذا الكلب فقال بأنه قد أشتراه بعشرة آلاف ريال، فسألته هل تم الدفع هنا أم هناك .. فأجاب بأن الدفع تم على دفعتين “هنا وهناك” بنصف المبلغ بالتساوي، فقلت له ألم تخف بأن تدفع نصف المبلغ وبعدها لا يصلك “الكلب” فقال هذه مواقع معروفة ولها اسمها في السوق وليس لديهم تلاعب، ومن ثم سألته وقلت له ولنفرض بأن هذا الكلب هرب منك فكيف ستجده، وبالتالي تخسر مالك.. فقال استلمته وقد أجريت له عملية في بلده ووضع في رقبته شريحة، وهذه الشريحة مربوطة بجوالي بتطبيق أستطيع أن أعرف موقعه بأي مكان، وسألته ختاما وقلت له هل تستفيد منه في حراسة منزلك فقال “نعم” .. ولكني لا أعتقد بأن مثل هذا النوع يصلح للحراسة على افتراض أنه أتي به للحراسة ” .. والشاهد في الأمر بأني عملت مقارنة بين الجيل السابق والجيل الحالي وبين طريقة التفكير والاهتمام .. ولله في خلقه شؤون.
المطب الخامس / استوقفني شاب تزوج ودفع كما يقال كل ما يملك بل استنهض الأقارب والأباعد لحضور زواجه وجاءوه من كل فج عميق.. منهم من جاء بالطائرة مع صعوبة الحجوزات، وتكلفة التذاكر، ومنهم من جاءه بالسيارة متكبداً عناء السفر تاركاً أولاده وعائلته حتى يشارك في هذا الزواج، بل والكثير من أولئك المشاركين القادمين من جميع مناطق المملكة يلجئون إلى الاستئجار في الفنادق والشقق المفروشة، بل ويتكلفون في التزين وشراء المشالح والثياب الجديدة، ونسائهم المشاركات يتكلفن كذلك بشراء الملابس ويأتين بالهدايا الثمينة، ويتكلف ذلك المتزوج بإستئجار القصر وشراء الذبائح نهايك عن قيمة طبخها وتقديمها للضيوف بالشكل المناسب، وجلب الفرق الشعبية، وربما قام بشراء سيارة بذاك الحساب، ويستأجر شقة العمر ويؤثثها، ويقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل هذه المناسبة.. وعند انقضاء تلك الساعات وتليها الأيام، وبعد عدة “أشهر” فقط يعلن طلاقة وانفصاله من تلك الفتاة.. بحجة ليست معقولة وليست إنسانية بل وأحيانا تكون حججاً تافهة وبوجه بارد .. فأين الحل يا أهل الحل والعقد وهل المؤخر مطلب ضروري حتى لا ينحل عن هذا الارتباط المقدس بسهولة، وهل هو من يضع حدا “المؤخر” حتى ولو كان مؤجلاً لمشكلة الطلاق عند الشباب الطائش.. أقل شيء من باب الحفاظ على سمعة الفتاة المتضررة من هذا الانفصال السريع.
وإلى اللقاء في “مطبات” أخرى.
التعليقات
4 تعليقات على "مطبات صناعية – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري"
ماشاء الله لم اعلم انك كاتب بارع اضافة الى ان كونك اداري وقيادي ناجح …الله يوفقك ا.عبداللطيف المالكي
مقال مميز وهادف بارك الله فيك ابا زياد ولذلك آمل ان تستمر في علاج المطبات
يطيب لي أن أعرج على ماذكره أخونا محمد بن غرمان حول مقالته التي عنونها بعنوان مطبات صناعية فمما لاشك فيه أن ما أوضحه في مقالته منها مايعرض لنا في حياتنا اليومية ومنها مانسمع به ولكن أقول إن الحياة فيها مواقف كثيرة منها مايكون إيجابي ومنها مايكون سلبي فأما مانستطيع أن يكون لنا فيه تأثير فيجب أن لاندخر فيه جهدا وعلى سبيل المثال المتسولون فنحن الذين ساعدنا على إنتشارهم سيما وأن الاغلب منهم اتخذوا من التسول وظيفة سهلة وإيرادها مضمون فلايأبه أحدهم أن يقف عند إشارة مرور أو باب مسجد طالما أن الربح مضمون الأمر الذي جعلهم يكثرون وينتشرون ويحتالون والأمر الأخر الذي ذكره أخونا سيطرة العمالة على بعض الأسواق كأسواق المحاصيل الزراعية وهذا الأمر يحتاج إلى لفته من جهات الاختصاص للحد من تلاعب هؤلاء بأسواقنا فليس من المعقول أن يسرح هؤلاء ويمرحون في بلادنا بلا حسيب ولا رقيب والجدير بالذكر هنا أننا في زمن كثرت فيه المشاهد النشاز على مجتمعنا كمسلمين فلاغرو أن ترى مسلما يجر خلفه كلبا وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة….. الحديث. وإذا أمعنت النظر في بعض أحوال الناس فلاتعحب إذا علمت أن حالات الطلاق فاقت حالات الزواج بل قلت حالات الزواج ويرجع ذلك إلى أمور من أهمها عدم معرفة كل من الزوجين بما عليه من حقوق للطرف الأخر وهذا يعد خرق للعلاقة الزوجية وهدم لروابطها ووأد لها في مهدها أما ماذكره أخونا من هدر المياه المعالجة فهذا شأن جهات الاختصاص وربما لديهم من الأنظمة والإجراءات مالانعلمه سيما وأنها في الأصل مياه آسنة ولاحكم لها حتى لو ذهبت هدرا
ماشاءالله لاقوة إلا بالله بداية موفقة أخي وزميلي ابا زياد حفظك الله مجرد اقتراح لو اختصرت المطبات من 2 الى3حتي تستمر في المشاركة. ومن ثم جمعها في كتاب. الي الامام متمنيا لك التوفيق والنجاح
محبكم ابومروان