لا يوجد تعريف واحد أجمع عليه المهتمون بالدراسات التربوية في مؤلفاتهم حول مفهوم التربية، فهي ليست مادة يجري دراستها ومعرفة ماهيتها وفق تجارب مخبرية في المعمل، ولا يمكن قياسها في الميدان إلا من خلال دراسات وصفية بأدوات الدراسة المعروفة في هذا المضمار.
باختصار وبعيداً عن فلسفة المؤلفات والمناهج والمقررات والدراسات والأبحاث، وبتعريف مختصر مفهوم للعامة، يمكن تعريف التربية بأنها قول أو فعل صادر من شخص يُراد منه توجيه رسالة لشخص آخر بهدف اكتساب سلوك مفقود أو تعديل سلوك موجود. تلك القواعد الثلاث هي عناصر التربية التي تتمثل في المرسل والرسالة والمستقبل.
يشتكي بعض الآباء من فشلهم تربوياً وصعوبة تعديل السلوك لدى أبنائهم على الرغم من التوجيه والنصح المستمر وبذل الأسباب في إصلاحهم، وباستثناء العوامل الوراثية التي تلعب دوراً هاماً ورئيساً لا يمكن إغفاله ويُشكِّل ما نسبته 25% من السلوك الذي يتصف به الأبناء نقلاً بالتوارث عن الآباء في الجيل الأول، فإن العوامل المكتسبة تشكل نسبة الـ 75% الباقية.
الطفل منذ السنة الأولى حتى بلوغه من العمر 12 عام يتلقى كماً هائلاً من المعلومات الصادرة من الأبوين، والوسط العائلي، والمجتمع المحلي، ناهيك عن وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، كل تلك المصادر تلقي بظلالها على عقل الصغير ومن خلالها تبدأ تتشكل لديه سلوكيات مكتسبة بالتقليد من الآخرين، من هنا ندرك السبب الذي يجعل الآباء قديماً يدفعون بصغار السن للبوادي لتعلم العربية الفصحى والفروسية وسائر الصفات المرغوب فيها.
إن البحث عن الأسباب في عدم قبول الأبناء للتوجيهات يعود إلى الطبيعة البشرية التي تتأثر بالسلوك الفعلي المشاهد أكثر من السلوك اللفظي، وينعدم أثر التربية حتماً عندما تكثر الخلافات بين الأبوين، أو تختلف وتتباين طريقتهم في التوجيه، أو يصدر من الأبوين أو أحدهما سلوك مغاير لما يتم التحذير منه، أو تستخدم وسائل العنف اللفظية أو الفعلية في المنزل، أو تزيد التوجيهات عن الحد اللازم بنفس الطريقة والأسلوب.
في الختام: التربية تتطلب مزيد من الوقت لتؤتي ثمارها، وهذا يستلزم التنويع في الطريقة والأسلوب، فقد تغني إشارة أو حرمان عن ألف كلمة، وفي حال عدم الاستجابة لا بد من تدخل طرف ثالث خارج الأبوين ليكون أدعى لتقبل المستفيد للتوجيه من خلال رسائل مختلفة وبطريقة مبتكرة وبدون تكرار.
التعليقات