في إحدى حلقات تحفيظ القرآن الكريم دار الحديث والمناقشة مع مجموعة من طلاب الحلقة الحافظين لكتاب الله من قبل مجموعة من المتخصصين في علوم الشريعة واللغة العربية لمعرفة مدى اتقانهم لمفردات القرآن وتفسير معانيه، انتهى اللقاء دون الحصول على إجابة للتساؤلات التي طُرِحت، إذ لم يتعدى دور حلقة تحفيظ القرآن الكريم تعليم الطلاب التلاوة والتجويد أو حفظ نصوص القرآن الكريم عن ظهر قلب دون إدراك معانيه.
ما سبق يمكن تعميمه على باقي حلقات تحفيظ القرآن الكريم ليس في عالمنا العربي فحسب، بل في كل دروس القرآن الكريم في عالمنا الإسلامي؛ هذا يدعونا لإعادة النظر في دروس هذه الحلقات لتشمل الانتقال من دور التلقين والحفظ إلى فهم النصوص القرآنية فهماً دقيقاً دون النظر إلى كمية المحفوظات؛ وفي السيرة يقول عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يُقرِئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا”..
في سياق آخر حول التفسير، فقد أدَّى اختلاف المفسرين للقرآن الكريم إلى ظهور الطوائف والمذاهب التي نشأت في قديم الزمان وحديثه، ادَّعت كل طائفة بصحة منهجها في التفسير وما عداها باطل، كما ظهر الجهل بالنصوص القرآنية لدى صغار طلاب العلم الذين لم يحيطوا علماً بتأويل القرآن الكريم إلا وفق اجتهاداتهم غير الموفقة بالوقوف على ظاهر النص، أو من خلال التقليد والتبعية لمشائخهم دون الاستقراء، أو معرفة الناسخ والمنسوخ، أو المقارنة بين كتب المفسرين، أو الرجوع للعلماء الراسخين في العلم الشرعي لبيان المُراد، ترتَّب على هذا الفهم القاصر قضايا التكفير للمجتمعات الإسلامية بزعم عدم معرفتهم بفهم النص القرآني كما فهموه من خلال تلقيهم الدروس والمحاضرات والندوات بالغُرف المظلمة وفي ِسرِّية تامة.
إنَّ كُتُب التفسير التي كتبها الأقدمون لا يزال عليها العمل والمُعوَّل، كتفسير بن كثير، والقاموس المحيط، والكشَّاف، والقرطبي، والطبري، والبغوي، وغيرهم من المفسرين، علاوةً على الكتب المعتمدة في التفسير لدى المذاهب والطوائف الإسلامية الأخرى، والتي كانت نتاج اجتهادات فردية وفق نظرة المفسرين لها، اتَّخذَت في تأويل القرآن الكريم التفسير الموضوعي، أو اللغوي، أو الأدبي، أو العلمي، بالقدر الذي لدى المفسرين لها من العلوم الشرعية، أو اللغوية، ويعتمد المفسرين لها على الجُهد الشخصي وإعمال العقل تارةً، أو بالنقل عن ما كتبه المفسرون من قبلهم تارةً أُخرى.
آن الأوان لعلماء الأمة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف والأزهر الشريف بالتفكير جلياً بجمع وتأليف تفسير مُوحَّد للقرآن الكريم، على أن ينبري لهذه المهمة جمع من المتخصصين في علوم الشريعة واللغة والأدب والعلوم الطبيعية، للقيام بتفسير موحد يجمع شتات الأمة يأخذ في الحسبان تفسير القرآن وفق أبواب وفصول وموضوعات على غرار كتب الفقه والحديث في التبويب، ليسهل فهمه ومعرفة مراد الله من آياته، متبعين منهج البحث العلمي الرصين أسلوباً في الجمع والتفسير، ليكون هذا المؤلف مرجعاً معتمداً لكافة المسلمين في شتى أقطار الأرض.
خاتمة المقال: إن وجُود مُؤلَّف ضخم أو موسوعة حديثة في التفسير سوف يكون مُنطلقاً لوحدة الصف بين المسلمين، وسوف يُتاح لغير المسلمين المساهمة بما لديهم من الاكتشافات في الوقت الحاضر لتضمين اكتشافاتهم في هذا المؤلف بما يُواكِب المستجدات، ليكون طريقاً آخر للوصول للعالمية ونشر الإسلام، امتثالاً لقول الله تعالى ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، وقوله تعالى” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
التعليقات