السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢١ شوال ١٤٤٦ هـ

أصل الحكاية – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

أصل الحكاية – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

 

نظام الفصل العنصري هو نظام اجتماعي وسياسي كان ينشط في العديد من البلدان حول العالم، خاصة في فترة القرن العشرين، ويستند هذا النظام إلى فكرة تمييز الأفراد وفصلهم وفقًا لعوامل عنصرية معينة مثل العرق والأصل القومي واللون والدين والطبقة الاجتماعية وغيرها.

كان أول ظهور لفكرة الفصل العنصري في القرن التاسع عشر، ولكن انتشرت وازدادت شيوعًا في القرن العشرين، خاصة في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت الفكرة الرئيسية وراء هذا النظام هي التفرقة بين الأشخاص وفصلهم ومنح البعض منهم حقوق وامتيازات أكثر من الآخرين بناءً على صفاتهم العنصرية.

في جنوب أفريقيا، لعب النظام العنصري دورًا حاسمًا في الحكم السياسي، حيث تبنت الحكومة الرسمية سياسة الفصل العنصري المعروفة باسم “الابارتهايد”. وترجع جذور هذه السياسة إلى عام 1948، عندما فاز حزب القوميين الأفريقيين في الانتخابات العامة وبدأ تنفيذ سياسة الفصل العنصري بشكل رسمي. وتهدف هذه السياسة إلى تقسيم السكان إلى مجموعات عرقية مختلفة وتقييدهم بنظام قانوني يمنع الاختلاط ويمنح الأقليات البيضاء حقوقًا وامتيازات أكبر.

عانى السكان السود والأصليون في جنوب أفريقيا بشكل خاص من آثار هذا النظام القمعي. فقد تعرضوا للتمييز في جميع جوانب الحياة، بدءًا من الفصل العنصري في الحياة اليومية والتعليم والعمل وحتى الحقوق السياسية. وكانت هناك قيود صارمة تحول دون تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.

لكن مع مرور الوقت، بدأ تنامي حركات المقاومة والنضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وفي أماكن أخرى. وتزايدت الضغوط الدولية على حكومة جنوب أفريقيا لإنهاء هذا النظام الظالم. وفي النهاية، أدى النضال المستمر والضغوط الدولية إلى إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وفي عام 1994، أجريت أول انتخابات ديمقراطية متعددة الأعراق في البلاد، وتم انتخاب نيلسون مانديلا رئيسًا لجنوب أفريقيا، مما أشار إلى نهاية الحكم الرسمي للفصل العنصري.

تاريخ نظام الفصل العنصري في الولايات المتحدة مختلف قليلاً عن تلك الواقعة في جنوب أفريقيا، ولكنه كان يعتمد على نفس المبدأ العنصري للتفرقة والتمييز. في الولايات المتحدة، كانت هناك فترة طويلة من التمييز العنصري والفصل العنصري، حيث كان الأفراد ذوو البشرة السمراء تعاني من التمييز القانوني والعنصري في العديد من المجالات مثل السكن والتعليم وفرص العمل والحقوق السياسية.

لكن مع بداية حقوق الإنسان والحركات المدنية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بدأت الجهود في الولايات المتحدة لإنهاء نظام الفصل العنصري. ومن أبرز الأحداث التي ساهمت في تغيير الوضع العنصري في الولايات المتحدة كان حكم المحكمة العليا في قضية براون ضد مجلس التعليم عام 1954، والتي ألغت قانون فصل السود عن البيض في المدارس العامة.

وتوالت المظاهرات والحركات السلمية والمطالبات بالمساواة والعدالة الاجتماعية، وأدى كل ذلك في النهاية إلى تشريعات حقوق المدنية في الستينيات والسبعينيات، التي ألغت القوانين العنصرية ومنحت الحقوق المتساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن لون بشرتهم.

وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، إلا أن تأثيراته لا تزال ماثلة في المجتمعات حتى يومنا هذا. وتحتاج هذه البلدان والعالم بأسره إلى العمل المستمر على تعزيز المساواة ومكافحة التمييز العنصري في جميع مجالات الحياة، لضمان المساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية لجميع الأفراد بغض النظر عن خلفيتهم العنصرية.

تبقى هناك بعض الصور لنظام الفصل العنصري في العالم يمثله في أقبح صوره الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، فما يحدث في فلسطين من العام  1948 حتى الآن لهو صوره كربونية مما كان حاصلا في جنوب أفريقيا، فمنذ العام ١٩٤٨ وقت انتهاء فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين الذي مثل كيان جيوسياسي سابق نشأ في منطقتي فلسطين و ‌شرق الأردن عام 1920 واستمر لما يزيد عن عقدين ونصف (1920-1948)، وذلك ضمن الحدود التي قررتها بريطانيا وفرنسا بعد سقوط الدولة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى وبموجب معاهدة سيفر. ثم أقرّته عصبة الأمم في 11 سبتمبر1922 فيما بعد، وذلك بإصدار صك يعهد بإدارة فلسطين لبريطانيا.

خلال فترة احتلال بريطانيا لفلسطين أعلنت بريطانياهدفاً لها وهو تحقيق وعد بلفور 1917 والذي هو عبارة عن رسالة مُوَجَّهَةٌ من وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع الصهيونى البريطاني، وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العُظمى وإيرلندا، تضمنت تلك الرسالة، إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين.

ومن بعدها تم استكمال تبني هذه الفكرة والعمل عليها، من خلال تشجيع هجرة الصهاينة إلى فلسطين وتوفير كافة السبل لتملكهم الأراضي والسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني تمهيدا لما جاء بعد ذلك عندما أعلن التاج البريطاني إنهاء الانتداب -كما يسمونه- على فلسطين في العام ١٩٤٨ وهو عام النكبة كما يطلق عليه الفلسطينيون ذلك، وهو العام الذي مكن الصهاينة بما حققوه خلال عقود من العمل في ظل الاحتلال البريطاني انتظار اً لهذه اللحظة، حيث قاموا بكثير من المجازر والأعمال الفظيعة والنهب والسلب لكل ما هو فلسطيني مما أدى إلى تشرد أصحاب الأرض” الفلسطينيين “خارج ديارهم وهدم منازلهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، حتى وصل الحال إلى السيطرة الكاملة على تراب فلسطين، عدا معتقلين كبيرين محاصرين براً وجوا وبحرا، يقبع فيها ما تبقى من الشعب الفلسطيني الذي لم يهاجر، وما كان ليكون لبني صهيون دولة لو لم يتبنى ذلك الغرب ممثلا في التاج البريطاني، للأسف.

لذلك فكل معاناة الشعب الفلسطيني من تشرد وتهجير ومصادرة أراضيه وقتل مناضليه وإيداع أطفالهم ونسائهم السجون كل معاناتهم يقع على عاتق بريطانيا والدول الغربية التي تدعم هذا الكيان الغاصب، بكل ما أوتيت من قوة ، حتى إنها في الأحداث الأخيرة عندما شعرت بخطوورة الأمر وأنه يمكن أن يتطور ويتحقق ما حصل في جنوب أفريقيا، فما كان منها إلا إلى الإسراع بتسير البارجات الحربية والسفن والمدمرات من أجل عدم رمي ذلك الكيان الشاذ في البحر، وهذا ما ستؤول إليه الأمور في نهاية الحكاية إن شاء الله، وهذه سنة الله لكل ظالم، ومصيرهم هو ذات المصير لأصحاب الفصل العنصري بجنوب أفريقيا.

وكأنني أرى تلك اللحظة كما رأيت نهاية مثيله في جنوب أفريقيا عام 1990، وما انتشار الرفض الشعوبي العالمي لممارسات الفصل العنصري الذي ينتهجه الصهاينة في فلسطين بحق الفلسطينيين إلا دليل مؤكد على حتمية انتهاء هذا الفصل العنصري الصهيوني البغيض في وقت قريب ان شاء الله.

إن الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، أما المجرم فلا بد أن قلبه يرتجف خوفاً، مهما تظاهر بالكبرياء.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *