كشفت أحداث غزة الأخيرة عن حقائق كانت خَفيَّة منها زيف العالم الغربي الذي يدَّعي الحضارة والديمقراطية ليس بالصمت عما تفعله آلة البطش الإسرائيلية بحق المدنيين الأبرياء العُزَّل فحسب، بل بالمساهمة أيضاً في هذه الجرائم بكل الطرق والوسائل بما فيها تزويد إسرائيل بأسلحة الدمار الشامل للقضاء على ما تبقى من السكان الأبرياء في قطاع غزة وتهجيرهم نحو سيناء حتى يتسنى للكيان إقامة “دولة إسرائيل الكبرى” في المستقبل.
كشفت هذه الأحداث أيضاً مدى الضعف لدى المنظومة في البيت العربي الذي لا يتعدى التنديد والشجب والاستنكار؛ فالعالم الغربي يُهدِّد، والعالم العربي يُندِّد عبر ترديد الخطابات المُكررة في الجامعة العربية، ومجلس الأمن، والأمم المتحدة، وكافة المنابر الدولية، للتعريف بعدالة القضية وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وضرورة حل الدولتين استناداً للقرارات الدولية، دون اتخاذ أية تدابير أو إجراءات عملية بشكل منفرد أو جماعي على الأرض طوال 75 عاماً مضت.
وأظهرت أيضاً التعاطف لبعض الشعوب في كل بلاد العالم عبر مسيرات ومظاهرات حضارية لرفضهم الظلم، وأن ما ينتهجه الساسة غير ما تؤمن به الشعوب، عدا تلك المظاهرات والهتافات غير المنضبطة في البلاد العربية التي ظهر فيها الجهل لدى العامة وكانت تدعو لفتح الحدود الجغرافية لدول جوار فلسطين، علاوةً على الفوضى التي أحدثتها من تكسير واجهات المحلات (المطاعم تحديداً) بدعوى دعم إسرائيل رغم أنهم كانوا بالأمس يتناولون فيها طعامهم.
القضية الفلسطينية تُتاجر بها كل أمم الأرض أفراداً وجماعات ودول، فقد استطاعت الصهيونية العالمية تقسيم العرب حول القضية ومقاومة المحتل بين مؤيد ومعارض ومحايد، والبيت الفلسطيني بين مقاوم في (غزة) ومن يدعم المحتل عبر التنسيق الأمني في(الضفة)، حتى ظهر من العرب من يقول “فلسطين ليست قضيتي”، وهذا ما شجع المحتل والصهيونية العالمية عبر تصريحاتهم المعلنة بعدم وجود دولة تسمى فلسطين يمكن الحديث حولها أو التفاوض من أجلها.
هذا العالم لا يؤمن سوى بمنطق القوة لا بلغة المنطق ولا بمبدأ العدالة، فمن خلال منطق القوة الذي ينتهجه الغرب يحق لهم التعدي على أرض الآخرين، ومصادرة حقوقهم، وتشريد شعوبهم، والسطو على أموالهم وممتلكاتهم، فهم من يصنع القرارات في مجلس الأمن والأمم المتحدة، لتطبيقه أو عدم تطبيقه بما يوافق مصالحهم عبر استخدام حق النقض “الفيتو”، دون اكتراث بقيم العدالة، أو الإنسانية، أو العيش بسلام مع الشعوب أو الأمم الأخرى.
يُقال بأنَّ العرب ظاهرة صوتية يتَّبعون الهوى باللعب على العواطف عبر الخطابات الرنانة، والضجيج الذي يُحدثه سُفهاؤهم بلا تأمل، ودون معرفة أسباب ضعفهم وتخلفهم، هذا ما يشجع قوى الاحتلال لاختراقهم بلغتهم عبر عملائهم، فيسهُل تطويعهم بما يوافق هوى المحتل للسيطرة عليهم، واحتلال أرضهم بالقوة الناعمة، دون أن يُحدث المحتل ضجيجاً، أو يبذل جهداً لتحقيق مآربه في تنفيذ مخططاته من خلالهم.
تتعدد مخططات الصهيونية للقضاء على البشرية، لينعم القليل الباقي بكل موارد الأرض، فهم حسب زعمهم شعب الله المختار، وتكشف لنا مخططاتهم كل يوم بما لا يدع مجالاً للشك خطر هذه المخططات، يبدأون في تنفيذها بالحلقات الأضعف من خلال، نشر الأوبئة، وتفجير السدود، واشعال الحرائق، واحداث زلازل أرضية مصطنعة، أو تغيير المناخ، ناهيك عن إثارة العداوة بين الدول المتجاورة للتنازع على الحدود ليتسنى لهم بيع السلاح ونشر الفوضى والاحتراب؛ ومن وسائلهم أيضاً اللجوء للقوة الناعمة لاستمالة الناشئة نحوهم من خلال خلخلة الفكر ونشر الالحاد، أو التغريب ونشر الفساد والانحلال الخلقي باستخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة.
خاتمة المقال: لدى العرب كل مقومات النصر عندما يؤخذ بأسبابه، فعوامل النصر أربعة: إعداد القوة “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، ثم وحدة الصف “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا”، ومواجهة العدو “كُتب عليكم القتال”، والدعاء بالنصر “إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم”؛ أما الدعاء على المنابر بالنصر على الأعداء دون الأخذ بعوامل النصر الأخرى فلم يُحرِّر أرضاً ولم ينصر قضية منذ أن نشأ الاحتلال حتى يومنا هذا.
التعليقات