مددت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، أخيرا، مبادرة مهمة تشمل الإعفاء من الغرامات والعقوبات المالية، وذلك بهدف دعم الاقتصاد وتحفيز الأنشطة التجارية. تتمثل تلك المبادرة في تمديد فترة الإعفاء من غرامات عدة، تشمل: غرامات تأخر التسجيل، مخالفات تأخر تقديم الإقرار، والتأخر في السداد، إضافة إلى غرامات تصحيح الإقرار لضريبة القيمة المضافة، أي إن الغرامات والعقوبات المالية تسقط عن المكلفين في حال تقديم إقراراتهم الضريبية، وسداد المستحقات المالية المستحقة عليهم، قبل الموعد النهائي للمبادرة.
من المنظور الاقتصادي، تعكس المبادرة في طياتها فهما عميقا للتحديات التي تواجه القطاعات الاقتصادية في ظل تداعيات الظروف العالمية الراهنة والماضية، وأعني التخفيف من الآثار الاقتصادية والمالية الناجمة عن جائحة كورونا وتداعياتها المعروفة اقتصاديا، كما أن هذا النوع من المبادرات التحفيزية يمثل تطورا استباقيا من المنظم الضريبي، أي إن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك تهدف إلى تيسير أعباء الالتزام الضريبي على الشركات والأفراد، وتعزيز الثقة بين المكلفين والأنظمة الضريبية المختلفة.
كما أن تمديد فترة الإعفاء من الغرامات والعقوبات المالية المستحقة نظاما على المكلفين يشكل تحفيزا اقتصاديا قويا من نوع آخر ويتيح للشركات التخفيف من العبء المالي المرتبط بالعقوبات، ما يؤدي إلى تحسين سيولتهم المالية وتوجيه مزيد من الأموال نحو مواجهة التحديات، فبدلا من تحمل عبء الغرامات والعقوبات المالية التي تؤثر في التدفقات المالية والأرباح، يمكن للمكلفين استثمار تلك الأموال في تطوير أعمالهم أو تعزيز استدامة أوضاعهم المالية.
اللافت أن المبادرة أيضا على المستوى التنظيمي تعزز وتحفز على الامتثال الضريبي الشامل، وذلك من خلال تحفيز المكلفين على تقديم الإقرارات والتزاماتهم في الوقت المناسب مستقبلا بعد انتهاء فترة الإعفاء المقررة، هذا يمكن الحكومة من تحقيق تحصيل ضرائب أكثر دقة وفاعلية في المستقبل بناء على زيادة نسب الامتثال الكلي للمكلفين في النظام الاقتصادي وفي الوقت ذاته يمكن أن تؤدي هذه الأنواع من المبادرات إلى تعزيز الثقة بين المستثمرين والجهات المنظمة للقطاعات الاقتصادية، إضافة إلى تحسين مناخ الاستثمار، كما تسهم في إيجاد بيئة تجارية واستثمارية مشجعة وجاذبة للاستثمارات الجديدة محليا وخارجيا، وكل ذلك يدفع عجلة التنمية ويسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي.
أعتقد أنها بمنزلة حل مستدام للتحديات الحالية، وأنها ليست مجرد تسهيلات زائدة، بل تعبير حقيقي عن التزام الحكومة، ولا سيما المنظم الضريبي، بالتمكين للقطاعات الاقتصادية والدعم الاحتوائي من أي نوع المخاطر التي قد تلحق بالمكلفين، لكن من خلال تحفيزهم على الالتزام بأحكام الأنظمة الضريبية.
أخيرا، استفادة المكلفين من المبادرة قبل انتهاء فترة التمديد تعد فرصة استثنائية، كما أن الإعفاء من الغرامات والعقوبات المالية لا يخفف من المبالغ المالية التي يجب على الشركات والأفراد دفعها، أو يسهل تسيير الأعمال، بل هو تعزيز للثقة ودعم للاقتصاد وتحفيز على الالتزام بالأنظمة الضريبية وتأثيرها الإيجابي، من شأنه تحقيق استدامة وازدهار أكثر للاقتصاد المحلي.
التعليقات