قال الأفوه الأودي وهو شاعر جاهلي كما ورد في الأغاني الجزء الثاني أنه من أحكم شعراء عصره، ومن أحكم ما قال:
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم .. ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وكأنّ الشاعر يتحدث عن حال عالمنا العربي كما هو في السودان وليبيا، ومن أقسى معاناة الشعوب الاحتراب الداخلي على الكراسي فيقتل الأخ أخاه والجار جاره، وتتقاتل القبائل وتنشأ عداوات صنعتها قيادات غابت عنها الحكمة والتي تسعى لزراعة الفتنة الطائفية والقبلية بين صفوف الشعب ونهب ثرواته ومقدراته الاقتصادية.
والدول الكبرى تسعى جاهدة لإطالة أمد هذا الاحتراب الداخلي مهما كانت التضحيات بشرية أو اقتصادية أو منشآت صناعية، وتدمير البنية التحتية والدفع بالقادة العسكريين الى الانتقام والعداء الشخصي للبقاء في السلطة ولسان حالهم يقول عليّ وعلى اعدائي، أو كما قال أبو فراس الحمداني: (إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر) مع فارق التشبيه.
ما يحدث في السودان يدمي القلب، فالسودان بلد من أكبر البلدان العربية وأكثرها عطاءا، وكان يسمى ولايزال ( سلة خبز العالم العربي) لما فيه من خيرات من مناجم ومعادن وأنهار وجداول ومزارع ومراعي للإبل والغنم والبقر مما يوفر دخلا ثابتا وحياة كريمة لكل السودانيين، لكن بكل معاني الأسف السودانيون يعيشون حالة من الفقر وضيق العيش من خلال حكم العسكر الذي امتد به الزمن من عام 1969م أي ما يزيد على الخمسين عاما، وأغلبها تصفية حسابات وانقلابات وشعارات وأحزاب تبحث عن مصالح حزبية ضيقة والبقاء على الكراسي وعلى حساب المصلحة العامة وعلى حساب المواطن السوداني الذي يدفع ثمن هذه الفتن والثورات العسكرية التي لم تجر على السودان والسودانيين إلا الدمار والخراب لكل مقومات الاقتصاد والتنمية والله المستعان.
والحكمة تقول لابد من حكم مدني يضع مصلحة الوطن في أولويات اهتمامه وهذا ما تسعى له المملكة العربية السعودية كعادتها دائما، فقد فتحت مجالاتها البحرية والجوية لاستقبال العالقين في هذه الحرب من كل دول العالم دون تمييز بكل أريحية وتوفير كل وسائل الراحة والهدوء النفسي والبدني، ولم يتوقف جهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لإصلاح ذات البين وبمبادرة من خادم الشريفين استضافت وفدي الطرفين المتحاربين وهي على مسافة واحدة مع كل الأطراف وتعمل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية على توفير كل الأجواء للوصول الى وقف كامل للقتال وانهاء كل الخلافات، ونقل السلطة لحكم مدني.
كل الأنظار تتجه لمدينة جدة بوابة المملكة العربية على البحر الأحمر لاحتضانها هذه المحادثات لفك الاشتباك والصلح الذي يفضي الى حكم مدني ينهي هذه الدوامة من الانقلابات والثورات والعودة بالسودان الى التفرغ للبناء والتنمية وحماية المصالح العليا لهذا البلد العظيم، ويتفرغ الجيش ليمارس دوره في حماية الحدود والمصالح العليا للدولة، وتوفير الأمن والسلام لكل السودانيين، ويبقى السودان عضوا فاعلا في المجتمع الإقليمي والدولي.
بارك الله جهود المملكة قيادة وحكومة وشعبا لإنهاء هذه الجائحة التي تجتاح السودان ليعود واحة أمن وسلام، وداعما لكل القضايا العربية والإسلامية.
التعليقات