الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

رحلة الشتاء و الصيف مابين تهامة و السراة – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري

رحلة الشتاء و الصيف مابين تهامة و السراة  – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري

 

في عادة قديمة في جبال السروات كانت هناك رحلتي الشتاء و الصيف.. في الشتاء يرتحل سكان الحجاز وجبال السروات وينزلون إلى بيوتٍ لهم في أسفل تلك الجبال جهة البحر تسمى “الصدر ” او البداوة ،فيمكثون من ثلاثة الى اربعة اشهر حتى ينجلي الضباب و ينتهي فصل الشتاء ثم يرتحلون عائدون في رحلة الصيف إلى بيوتهم مرة اخرى .. تلك عادة حسنه تنم عن وعي اولئك الأولون”اولئك ابائي فجيئني بمثلهم” 

( كانوا قليلا من الليل مايهجعون ) ليس للقنوت والقيام بل يتسابقون من قبيل الفجر لكسب الرزق.. في بعض القصص : أن رجلاً ذهب ليؤذن لصلاة الفجر وإذا ب”فلانه” ام محمد عائدة من الشعف الى بيتها، وقد “اختلت ” أي جمعت الحشيش والخضرة، وهو طعام البقر “اعزكم الله والبقرة المدللة تلك الأبقار التي كانت تنعم بدلال فائق حتى ابقار نيوزيلندا المصدرة لزبدة لورباك لم تنعم به، ذكرت زبدة “لورباك “لأنها مشهورة بدعاية لها وبقرتها المدللة… سأقف معكم قليلا مع هذا الدلال للبقرة ام العوال كلهم وهي تستحق لأنها مصدر رئيسي لقوتهم..

اولا .. عندما تتزوج المرأة قديماً يهديها ابيها بقرة، وتقودها تلك العروس وتذهب بها في يوم عرسها لبيت زوجها ، لتقيم هناك حياة جديدة عمادها هذه البقرة الحلوب ..تعرفوا على برنامج هذه ” الحلوب ” لتدركوا لماذا الزبدة الريفية غالية الثمن ، في الصباح وبعد أن ايقظت الأم عيالها وتعد لهم فطورهم وفي رواية” قروعهم ” تنزل أو تذهب للبقرة وتنظف لها و تقدم لها طعامها والبقرة الحلوب لها الطعام الخاص من البرسيم و ما كان من بقايا الطعام وقليلا مما يسمى ب(شوب الشعير ) “شوربة ام العوال الحلوب..

 بعد هذا التقديم تقوم بتنظيفها وحلبها ، ونقل الحليب ليروب في مكان بارد من المنزل ،، بينما تنهي الام بقية اعمالها تكون الشمس ارتفعت قليلا ، وكما يرددون( حميت الارض شمس ) لتذهب الى البقرة وتخرجها من غرفتها أو مايسمى “السِفل ” وتضعها في مكان مشمس تمامًا لمدة قصيرة من نص ساعة إلى ساعة، تتشمس ست الحسن و الدلال ثم تُدخَل الى ( العشة )المكان المظلل وهو مكانها في النهار بحيث تستمتع باجواء النهار دون ان تحرقها الشمس ،،

ثم تؤخذ و تعرض على الماء لتشرب وتعود في عشتها تستمع ببقية اليوم في خدمات متنوعه بتقديم الطعام فمرة العلف الأخضر ومرة مايسمى ( بالرفه) لاحظوا رفه ،، من الرفاهية ومرة العلف اليابس و البرسيم والخلا الذي يحش من الجبال، وعدوا واغلطوا ، في العصر تُعرض مرة اخرى للشمس وتتشمس ست الحسن و الدلال وقد تُترك لتجوب المزرعة المجاورة حتى تُرفه عن نفسها وقد تتعرف على الجيران بالمره، ثم تعود لغرفتها و يُقدم لها كما قُدم لها في الصباح وتُحلب مرة أخرى..

وهذه الطقوس يضاف لها طقوس اخرى اذا كان معها مولود صغير ، بعد هذا الدلال ،، يروّب الحليب و يُهز أو يُخض فيما يسمى ( بالشكوة) لكي يفصل الزبد عن اللبن ، ثم يجمع الزبد في “المجمعة” المصنوعة اصلا من الشجر وهي على شكل غضارة او صينية أو صحن عميق وله غطاء مخروطي يشبة الكوخ شكلاً ،، واما اللبن فيستخدم كشراب لأصحاب البيت و يهدى منه لمن ليس لديه ” منيحة ” أي بقرتهم لا تحلب لانها اوشكت على الولادة، ويستخدم لعمل بعض الأكلات، والمشروبات ايضاً ..

ومايعرف بالتلبينه النبويه هي عندنا بمسى ( الفرق ، او الفروقه) نأتي الى الزبدة المجمعة الغالية الثمن بعد هذا التجميع ، تكون عجينة الذرة جاهزة،على جنب لتكون هي وجبة العشاء،و تشعل النار ويوضع فيها حجر أو حجرين، ثم يؤتى بالسمن ويوضع في قدر ويذوب على هذه النار ونعود “للمجمعة” ميمعه، لغة من يقلب الجيم ياء ،، ونضع فيها قليلاً من الدقيق دقيق ذرة او بُر أو ماتيسر ، ونراقب الحجر حتى اذا اصبح يشبة الجمرة من شدة الحرارة عليه وضعناه في المجمعة على الدقيق في عملية تدوير للمجمعة والحجر و لا تحدثني عن حالة الاختناق المنبعثة من تلك العملية الكيميائية..

ثم يوضع الدقيق و الحجر على الزبدة التي استخدمت هذه الحيلة فيها لفصل اللبن من الزبدة لينتج لنا مايسمى ب” الحماشة” والسمن الصافي ، ثم لا تسأل عن تلك الرائحة وطعم الحماشة،وليتني أحدثكم عن رضى رب الأسرة وهو يشاهد هذا المشهد المهيب الذي تكون خاتمته خبزة ذرة و حماشة، وفي جانب من الصلل تكون الأوامر للبنت الكبرى ، وقد اعدت خبزة الذرة في ” الميرفه” الصاج ،وتقلب هذه الخبزة عندما يستوي الوجه الملاصق للنار ليستوي الوجه الآخر ..

وقد علم كل المنزل والجيران أن ذلك البيت يعُد ( الحروقة) او الحرورة) بعدها تلتم العائلة وتقسم الخبزة في تقسيم عجيب لن احدثكم عنه ، ويوضع بعضاً من هذه الحروقة للتغميس وبالعافية وجبة عشاء فاااااخره،، لذلك كيلو السمن في قرى جبال السروات ب 300 الى 600 ريال حسب الذمه و الضمير والدلال المقدم للبقرة ست الحسن و الدلال،.. اعرف طولت عليكم لكن اعرفكم تحبون قصص زمان و تفاصيلها !!!

عموماً ماعلاقة رحلة الشتاء و الصيف بقصتنا المطوله،؟؟ .. علاقتها.. أن اباءنا واجدادنا وفروا لانفسهم منزلين تأقلماً مع الظروف المناخية ، منزل للبرد وهو المشتى فينزلون تهامة أو الصدر ، و يقضون فترة الشتاء هناك ، واذا انزاح فصل الشتاء ببرده وضبابه وامطاره عاد الناس إلى الحجاز ، ولعل الجهة الشرقية لهم بداوة ينزلون بها جهة بيشة حيث تكون الأجواء اقل برودة وعديمة الضباب ، فهم 1-الواقع و 2-الطقس و3- الموارد الطبيعة ليصنعوا لهم غذاءً صحياً يعينهم على قهر ظروفهم ومكابدة حياتهم ..

بعض من هذا وذاك جعل من أولئك الأفذاذ قادرين على الإكتفاء الذاتي فتوفرت لهم اللقمة النظيفة، الهانئة، بداً من تلك البقرة التي كانت تقودها العروس الى بيت زوجها و توفير كل وسائل الراحة لسِت الحسن والدلال ( البقرة الحلوب ) حتى اذا ما وضعنا “صُبغتنا” على المائدة كانت الأنوف هي الحكم قبل أن يأكل اصحابها، لذلك ألا يُنبأ مسؤلوا الدوائر الحكومية في جبال السروات إلى وجوب تحويل عمل الدوائر الحكومية و أولها المدارس وتحويلها الى تهامة ..

ويكون الدوام هناك حتى نهاية الشتاء فلا يشتكي الشايب من البرد و لا يشتكي الوالدان من تأخر اولادهم صباحا ومساء بفعل الضباب و لا يكون هناك هجرة جماعية بحجة أن الديار خالية و الجو بارد و الحياة غير مشجعه، هذه الفكرة احببت أن اطرحها بين ايديكم معشر السادة الكرام اعيان ونواب ومسؤلي مناطق جبال السروات، واعتقد أنها جديرة جداً بالاهتمام ،ويبقى من يريد العناية بالبلاد و الممتلكات يستطيع ان يتفقدها ويعتني بها بين وقت وآخر ، في ظل توفر وسائل المواصلات و الإتصالات وقد هيأت دولتنا كل الطرق و الوسائل لذلك ولله الحمد.

في الختام .. بقرة نيوزيلندا و زبدتها ليست أحب و لا أفضل من بقرتنا وزبدتنا. .. دمتم بخير.

 

التعليقات

2 تعليقات على "رحلة الشتاء و الصيف مابين تهامة و السراة – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري"

  1. ما أجمل هذا المقال… شكرا لهذه الأصالة والجزالة ..
    محتوى تحليلي فائق ورآئق …

  2. مقال جميل؛
    حوى عددا من المصطلحات القديمة والكلمات النادرة التي يوشك أن تندثر – إن لم تكتب..
    مع وصف تفصيلي لجوانب ذات أهمية في حياة الجيل القريب.
    بالتوفيق يا ابنة جدّي!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *