تختلف سلوكيات البشر وطريقة تعاملهم مع المواقف المختلفة التي تواجههم في الحياة بالمنزل والشارع والمدرسة والحديقة والنادي والعمل وغيرها، فقد يكون التعامل إيجابياً ينبغي تعزيزه والإشادة به وجعل صاحبه مضرب المثل، وقد يكون التعامل سلبياً وهو بيت القصيد في هذا المقال، فما أكثر السلوكيات الخاطئة التي نراها في حياتنا أياً كانت متعلقاتها وكانت نهايتها وخيمة نتجت عن الجهل بالنظام وقلة الوعي، أو كانت نتاج نوازع الشر الدفينة لدى النفس البشرية، ولم أقف على دراسات بحثية تحدد النسبة لكل منهما، والخبر اليقين لدى جهات التحقيق والادعاء، أو من يتصدر النصيحة والوعظ والتوجيه والإرشاد في هذا المضمار.
لن أُسهب كثيراً في الحديث عن نوازع النفس البشرية فلدى علماء النفس والاجتماع ما يغني الباحثين، فالصفات الوراثية التي تحملها جينات الآباء لها دور رئيس في سلوك البشر سواءً كان سلبياً أو إيجابياً ويتحمل الآباء أو أحدهما فساد الأبناء، إما بقصد عندما يسلكان ذات السلوك السلبي، أو يكون لديهما الرضا لذلك السلوك، أو بغير قصد عندما يرفضان السلوك السلبي للأبناء فيتحملان سوء الاختيار لشريك الحياة الذي يحمل تلك الصفات.
الداعي لهذا المقال هو الحملة المنظمة التي تقوم بها اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات حالياً وتستهدف المروجين والمتعاطين لهذه السموم وهي حملة مشكورة مأجورة سوف تؤتي ثمارها وينعكس أثرها الإيجابي على السلوك الوظيفي والدراسي لمتعاطيها، بل سوف ينعكس أثرها كذلك على حياة الفرد والمجتمع بشكل عام.
تعاطي المخدرات هي إحدى السلوكيات المنحرفة التي ينتج عنها تفكك الأسر والمجتمعات، ولعل قضية التوعية مهمة وضرورية في الوقت الحاضر للحد من خطورة هذه الآفة، إذ يقع على عاتق الأسرة في المقام الأول دور التوجيه والإرشاد، والتربية الحسنة، وتوجيه السلوك للأبناء، واستثمار طاقتهم بالمفيد، والتعاون مع اللجنة الوطنية بالإبلاغ عن ما يرونه من سلوكيات أو انحرافات أو عقوق من أبنائهم، لمنع الانزلاق نحو المجهول، حتى يتسنى قيام الجهات المختصة بالمعالجة والإرشاد للأبناء، للتعافي الكامل من أثر المخدرات، ليعودوا أعضاء صالحين نافعين لأنفسهم ومجتمعهم.
ولا يمكن إغفال دور المدرسة فهي الجهة المناط بها عملية تربية الناشئة، ويبرز دورها في التوجيه والإرشاد عبر الإذاعة المدرسية، والإعداد لمحاضرات ودورات تربوية لأفراد لجنة مكافحة المخدرات للقيام بدورها في التوعية والتوجيه والإرشاد في المدارس بالمراحل المتوسطة والثانوية والجامعية للتحذير من خطورة آفة المخدرات على الفرد والمجتمع، وتوجيه الطلاب بالانتظام في نوادي الأحياء خارج أوقات الدوام الرسمي للاستفادة من الأنشطة المتنوعة واستثمار الوقت بكل جديد.
وقد يكون من المفيد قيام وزارة التعليم بإفراد موضوعات وفصول مخصصة بالمقررات الدراسية والمناهج للحديث عن المخدرات ومشتقات التبغ والسموم بكافة أنواعها والتعريف بها من خلال دراسة خصائصها الكيميائية وتأثيراتها الصحية، وبيان عقوبات متعاطيها والمروج لها قانونياً، وكيفية تجنبها والحذر منها من الناحية السلوكية.
وعلى الصعيد التجاري لا يخفى دور المحلات التي تبيع التبغ ومشتقاته والتي تنتشر في كل شارع وزاوية انتشار النار في الهشيم يتوافد عليها الشباب والمراهقين صغاراً وكباراً وهي بداية الانطلاق نحو عالم الإدمان في تعاطي المخدرات.
وقد أثبتت الدراسات البحثية أن فئة المتعاطين للمخدرات كانت لهم مقدمات بدءاً من استخدام مشتقات التبغ كالتدخين والشيشة والمعسلات وغيرها لسهولة تداولها، وانتهى بهم المطاف بتعاطي المخدرات بكافة أنواعها وصورها، وهذا يعني ضرورة تقنين بيع هذه المشتقات التي تبيع السموم دون ضوابط من خلال نقاط أو منافذ بيع مركزية مخصصة للتمكن من مراقبتها وتوجيهها والتأكد من بيعها بكميات محدودة للمحافظة على صحة المجتمع بشكل عام واتخاذ ما يلزم لحماية الفئات العمرية من صغار السن والمراهقين لمنع الانجرار نحو عالم الإدمان والمخدرات في المستقبل.
ختاماً: رسالة للأوقاف وتزامناً مع هذه الحملة المباركة بتوجيه منابر المساجد عبر خطب الجمعة للحديث عن خطر المخدرات على الأبناء والبنات، وكيفية التصدي لها أفراداً وأسراً وجماعات، فلا يزال في الوقت متسع لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد، ومن لم يتعظ فلا يلومن إلا نفسه.
التعليقات