الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

فخ المقارنات – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

فخ المقارنات  – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

 

العيش بسلام مطلب اصيل ينشده الجميع والسلام هو اسم من أسماء الله تعالى، ( هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰــــــــمُ ٱلۡمُؤۡمِــنُ ٱلۡمُهَیۡمِنُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ) ( سُورَةُ الحَشۡرِ: 23 ) والسلام تتعدد معانيه وتختلف مقاصده، ويفرق بينها سياق الكـــــــــلام. ولست هنا في هذا المقال القصير بصدد إيضاح كل المعاني لهذه المفردة، لكنني سأعرج على شيء مما قد يعكر السلام الداخلي لــــدى الإنسان وكيف يمكن تجنب ذلك، فأقول مستعينا بالله :

أن من أسوأ مكدرات السلام وفقـــدان الاستمتاع بالحياة هـــــــو انشغالنا بمقارنة أنفسنا بالآخــــــــرين مما يؤدي إلى تدهور حياتنا واضطرابها، والمقارنات المقصودة هنا تختلف عن الاستفادة من تجارب الآخرين فيما يتوافق مع إمكانياتنا وقدراتنا. لذلك ولكي نعيش بسلام فأنه لزاما علينا أن نلغي من قواميسنا مبدأ المقارنات السلبية، ولنكنْ على يقين بأن ما نراه في أحدهم ليس كل ما يملكه، فالحياة تأخذ منه كما تأخـذ منك، فلنثق بأنفسنا، ولنحترم أرواحنا، ولنمض في الحياة معتزين بذواتنا.

ولنتأكد من أننا نملك من المزايا والخصال ما لا يوجد عند غيرنا، وأن هنالك أشخاصاً ينظــرون إلينا ويتمنـــــــون لو كان لديهم بعض مزايــــانا وخصالنا. من صور إفساد السلام الداخلي والطمأنينة النفسية، ما يحدث من مقارنات سلبية، لا سيما من بعض الأزواج والزوجات، مما يفســـــد عليهم حياتهم، ويشقى بها أبناؤهم، وربما تطور الوضع حتى وصل الى خراب البيوت وتشتت الأسر، وما كــــان ذلك ليكون لو أنهــــــــم عودوا أنفسهم على عدم مقارنة حياتهم بحياة غيرهم، فنرى زوجاً يقول لزوجته ” ليش ما تصيرين مثل فلانة”..

لأن فلانة مثلاً عندما تذهب لبيت والدته تقبل رأسها، فهو يريد أن تفعل زوجته نفس الشيء الذي تفعله فلانة، والنتيجـــة أن الزوجة تشعــــــــر بالنقص وأن الأخرى في نظر زوجها أفضل منها، فترد عليه: ويطول النقاش وربما احتدم وانحرف عن مساره، وهكذا يبــــــــدا تقويض السلام الاسري، وأخرى تقول لزوجها لما علمت أن آل فلان سافروا “سياحة” هذي الناس العايشة مو حظي العاثر من تزوجتك وأنا على هالحـــــــــال المايل. وهكذا تبدأ المقارنات التي تفسد على البشر حياتهم.

إن مثل هذه المقارنات لن تحل المشكلة بل تزيد الطين بلة، كما إنها تفسد المودة بين الزوجين، وتقوض السلام في بيت الزوجية، فمن الأجـــدى والأنفع إن أراد أحد الشريكين من الآخر فعل أمرٍ ما فليطلب ذلك منه مباشرة، ولا يقارن ذلك مع الآخرين عطفا على أن يمدح ذلك الطرف الآخر مما يشعر الشريك ان الآخر أفضل منه. كذلك يجب الحذر من المقارنات الذهنية، فمثلاً مقارنة الزوج أو الزوجة بما يشاهده على التلفاز أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فيتولد الشعور بالنقص والمحرومية. لا سيما إن كان أحد الشريكين لا يعتني بنفسه مما يظهــــــره دوما بمظهــــــر التقصير واللامبالاة.

ومن صور قتل السلام والطمأنينة في النفس، مقارنة الأشياء الجديدة بالأشياء المعروفة، مما يقتل لذّة الاستمتاع بالأَشياء الجديــــــدة، فالإنسان معتاد عَلَى مقارنة ما لا يعرفه على ما يعرفه، فمثلًا إذا ذهب إلى مدينة لا يعرفها، قارن بينها وبين المدينة التي عاش فيها، وهذه المقارنة تجعل الإنسان يحرم نفسه من مشاهدة زوايا أُخرى ربما لا توجد في الشيء القديم او المعروف.. وليعلم إنَّ لكل جديد خصائصه وميزاته.

ذكر إنَّ الشَّاعر الأَخطل تُوفيت زوجته، وحين تزوج امرأة أُخرى، بدأَ يقارن ويوازن بَينها وبين زوجته الأُولى، وهذه المقارنة جعلته يكتـــــــوي بالنار، ويحرم نفسه من استكشاف مزايَا زوجته الجديدة، والمصيبة أَن زوجته الجديدة أرملة، وكانت تقارن أيضًا بينـه وبين زوجهَا «الرَّاحِل»؛ لذلك خلد الشاعر تلك المفارقة بــ بيتين، يَقول فيهما:

كلانا على هــــــــــــم يبيت كأنما بجنبيه من مس الفراش قــــروح
                                على زوجها الماضِي تنوح وإنني على زوجتي الأُخرى كذاك أَنوح

يروي أحد الشباب قصة حدثت معه في بداية حياته العملية فيقول: «بعد فترة التجربة طلب مني مدير الشركة تحديد الراتب الذي أريـــد، فطلبت 6500 ريال، أجابني بسرعة: سأعطيك 7000 بشرط ألّا تخبر أحداً، لأنك ستكون صاحب الراتب الأعلى بين الموظفين». يقول الشاب: خــرجت وروحي المعنوية في السماء، كنت أحضر مبكراً، وأؤدي عملي على الشكل الأمثل..

بل وأتبرع بمساعدة الآخرين، كنت أفعل هذا بنفس راضيــــة لأنني صاحب أعلى أجر بين لموظفين. يقول: واصلت عملي بهذه الروح المتوثبة الراضية حتى اكتشفت ذات يوم أن هناك موظفين يتقاضـــــون رواتباً أعلى مني، كان هذا خبراً صاعقاً أدخلني في مقارنة موجعة، فبالرغم من أنهم أقدم مني، وأنني أنا من طلب هذا الراتب بل أقلّ منـــه، إلا أنني شعرت بالظلم والمرارة!. كان هذا الخبر كفيلاً بأن يهبط بعزيمتي للأرض، وأن تفسد هذه المقارنة كل حياتي.

ما الذي تغيّر بنظرك في حياة هذا الشاب ليتحول الى النقيض؟ لاحظ أن الراتب لم يتغير، وكذلك كمّ ونوع العمل، ما تغير هو شعــــوره الشخصي فقط، بعد أن أدخلته المقارنة في جزئيات كان يمكن له تجاوزها بذكاء، والتغافل عنها لتستمر علاقته بالعمل الذي أحبه. هذه القصـــــــة وامثالها تتكرر كل يوم بأشكال وصور مختلفة، كثيرون منا يفسدون حياتهم بمقارنات محبطة لأشكالهم، جنسهم، ألوانهم، جنسياتهم، أصولهم مواهبهــم، وظائفهم، دخلهم، ….الخ، هذه المقارنات كثيراً ما تكون مدمّرة ومجحفة بحق النفس، نظراً لغياب المعيار البشري المثالي الـذي يملك كل شيء، فليس هناك شخص كامل كي تقارن نفسك به.

البشر … ولحكمة إلهية مختلفون في الإمكانيات والقدرات والمواهب، وكذلك في نقاط الضعف والقوة ” وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُـــــم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ (251). ‏اختلافاتنا الفكرية والبشريــــــة هي دافعنا ومحركنا الأول للتطــــــــور وإعمار الأرض، ‏واختلاف القدرات هو الجانب الإنتاجي من التطور. لا تؤذِ روحك بالمقارنات، ولا تمحُ الرضا من قاموسك، ولا ترخِ يدك من حبل الله فلله في كل شيء حكمة.. توقف عن تسميم عقلك وروحك وقلبك بالمقارنات الهدامة، اقنع وارضَ بما عندك..

لأن ثغرة عدم قناعتك وعدم رضاك بما تملك ستظهر عليك إن عاجلاً أو آجلاً، حينها ربما تكون نقطة ضعف يتلاعب بك السيئون من خــــــلالها. هذا لا يعني التوقف عن الطموح والتطوير والتحسين والارتقاء بذاتك للأفضل، ولا يتعارض أبداً مع التنمية والتخلص من السلبيات. يقول اندرو ماثيوز(كاتب ومحاضر في مجال تطويرالذات): إذا كنت تشعر بالنقص فأهلاً بك في عالم البشر. أنت لست ملاكاً كي تكــــون كامـــــلاً. أنت لست مختلفاً فقط؛ بل فريداً ولا تشبه أحداً بالنظر إلى أهدافك وتطلعاتك وإنجازاتك وقدراتك وإمكاناتك التي تجتمع في نهاية المطاف لتشكل سطـــــــور قصة حياة ليست كاملة وربما ليست مثالية، لكنها بالتأكيد مختلفة عن الآخرين. ‏‏

عزيزي القارئ إذا كنت ممن وقع في فخ المقارنات فاعلم أن المقارنات لا تجدي نفعاً للأسباب التالية:
دائرة المقارنات لا تنتهي فستجد دوماً من هو أفضل منك، لذا. فإضاعة الوقت في مقارنة نفسك مع الآخرين مسألة غير مجدية.
فخ المقارنات يظهر نقاط ضعفك في مواجهة نقاط قوة الآخرين، وهذا له أثر نفسي مدمر على النفس وطريق مؤدي إلى فقدان السلام والطمأنينة.
فخ المقارنات يسلب منك الكثير من اللحظات الجميلة التي كان يمكنك استغلالها لتحقيق السلام والطمأنينة في حياتك.
الحياة ليست مضمار سباق يكون الفائز فيها واحدا، الحياة مشاركة مع الجميع والفوز للجميع.
فخ المقارنات معادلة غير منطقية، فالبشر يختلفون في القدرات والإمكانات والخبرات، فربما تدخل نفسك في مقارنة مع شخص سبقك كثيرا مما أكسبه الكثير من التجارب والخبرات، مكنته من حيازة بعض التفرد عن الآخرين، فاحذر من الوقوع في هذا الفخ القاتل.

ودوماً نرجو للجميع حياة هانئة سعيدة مليئة بالتفوق والنجاح.

اعظم النعم في الحياة راحة البال إن شعرت بها فأنت تملك كل شيء “شكسبير”.                                                                         

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *