الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

تقديس الجسد – بقلم الكاتب أ. هذلول حسين الهذلول

تقديس الجسد – بقلم الكاتب أ. هذلول حسين الهذلول

 

يعيش الإنسان في هذه الحياة وهو يسعى لتأمين متطلباته الروحية والمادية. فمنا من يهمل حاجاته الروحية وينصرف نحو اشباع متطلبات النفس والجسد من الطعام والشراب وسائر المتع التي تشبع هذا الجانب على حساب الجانب الآخر. حتى إنّ بعضهم يصل لمرحلة الإسراف والإدمان. ومنا من يوجد التوازن المطلوب الذي من خلاله يستطيع تلبية رغباته النفسية والمادية دون أن يقع في دائرة الإهمال. وعلى اثر طغيان الجانب المادي على سائر نواحي الحياة وانشغال الكثيرين باللهاث خلف متطلباتهم المادية. رأينا من انحرفت بوصلته تمامًا عن تأمل داخله وقراءة حاجات روحه.

فصار جُلّ همه تلبية ما يحتاجه الجسد وما تتمناه النفس بغض النظر عن الطريقة والأسلوب هل هي صحيحة أم خاطئة. فالمهم عدم إهمال ذلك الجسد وبذل الغالي والنفيس في إشباع رغباته. حتى باتت العناية بالجسد تصل لحد الظاهرة. وذلك لفرط ما نراه من مبالغة وتقديس للحصول على المتع واللذات التي تكسب الجسد أهمية كبرى يكون من ثمارها الحصول على جسد مثالي ومتناسق ورشيق. والإنفاق في سبيل ذلك الكثير والكثير. فالمظهر صار جزء من الشخصية والأناقة باتت أيقونة تدل على وعي صاحبها ومدى تمتعه بالصحة الجيدة. ولو أنّ الامر توقف عند ذلك الحد لكان هيناً.

ولكنه تحول مع الأسف لمظاهر شكلية وتأنقٍ مصطنع وسباقٍ محموم نحو مراكز التجميل وعيادات الجمال ونوادي التخسيس وصالات التدريب. ولا اعتراض على من يعتني بصحته ويخفف من وزنه المرتفع ليُذهب عنه ترهل الجسم. فتلك من علامات الصحة الجيدة ودليل على شحن الجسد بطاقة ايجابية تعتمد على الحركة والمشي وممارسة الرياضة. ما يعني البعد عن الوقوع في براثن الأمراض بمشيئة الله تعالى. وهي في الأخير ثقافة مهمة من الواجب أن يتطبع بها الجميع لسلامتهم وصحتهم.

ولكن المؤسف هو التحول من العناية بالجسد عبر الرياضة وانقاص الوزن والمشي بقصد الصحة والنشاط. إلى تقديس ظاهر للجسد وبطريقة فجة جعلت الكثير من الجنسين وبالذات النساء ينقادون لمراكز التجميل وتطبيق الحميات القاسية أملًا في الحصول على جسم مثالي متناسق. دون الإنتباه لعواقب مثل تلك العمليات التجميلية أو الانخراط في تلك البرامج الغذائية الصعبة. وهو ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية وعواقب وخيمة. والمشاهد الآن هو الاندفاع الغير مسبوق نحو ما يضفي الأناقة والجمال على الأجساد. بغض النظر عن التكلفة المادية أو الآثار المترتبة على تلك التغييرات التي ينالها الجسم. وقد لا تكون مناسبة له.

ولئن كان البعض مضطرًا لتلك الجراحات التجميلية بسبب عيب خَلقي أو حاجة ملحة فقام على اثرها بإجراء تلك العمليات. فما هو مبرر الكثيرين وخصوصًا النساء ممن اعتدن على مراجعة تلك المراكز للعناية بإجسادهن. مع أن الواقع يقول بأن الكثيرات منهن لسن بحاجة ماسة لذلك ولكنه التقليد الأعمى للصديقات والقريبات. مع عقدة نقص داخلية جعلت الحصول على مظهر جميل يقف على رأس القائمة. وهو ما جعل أبواب تلك المراكز مشرعة على مصراعيها ليل نهار في انتظار زبائنها في كل يوم على أحر من الجمر.

كل ذلك حصل مع الأسف بسبب موجة قوية من الإعلانات التجارية والقنوات الفضائية التي تروج لذلك وتسم صاحبه بالتمدن والتحضر وروح الشباب ولفت أنظار الأخرين. بل لقد غدت العديد من وسائل التواصل الاجتماعي ساحة واسعة لمثل تلك الدعوات القائمة على العناية بالجسد وتقديسه إلى درجة عالية. وهو ما فتح باب التنافس والتخفيضات في محاولة لاستقطاب العديد من الزبائن وتفريغ جيوبهم والضحك عليهم بالوعود الكاذبة والعمليات السريعة. مما نتج عنه سعار محموم وتدافع كبير نحو الالتحاق بإحدى تلك المراكز والمداومة على زيارتها ولو كان ذلك بأغلى الاثمان فالمهم هو الحصول على الجسد المتناسق والمظهر الجذاب.

على رغم ما تعد به برامج التخسيس وإنقاص الوزن وعمليات التجميل. فالنتائج في غالبها غير محمودة وقد يكون لها آثارًا ضارة. وليت العناية بالأجساد اقتصرت على ممارسة الرياضة والمشي للتمتع بصحة أفضل لكان هذا مطلبًا ملحًا للجميع. ولبادر الكثيرين بأدائه والالتزام به. ولكن الأمر تطور ليصبح الجسد مقدساً لذاته. على حساب متطلبات روحية ونفسية تعاني من الإهمال والنسيان. فالنفس تحتاج لمن يحقق لها ذاتها والروح ترنو لإشباع حاجاتها المهمة والقلب ينتظر عملية ترميم طالت مدة غيابها.

بينما العقل يحتاج لمن يأخذ به نحو معالي الأمور. فالإنسان بروحه وقلبه وعقله أولاً ومن ثم تلبية مطالب الجسد بالراحة والمتعة والجمال. وما يغني المظهر إن كان الجوهر فاسدًا قد علقت به الشوائب. وهل ينفع الجسد بشيء طالما بقي الداخل متصدعاً؟ إم ترانا أهملنا نفوسنا وقلوبنا وأرواحنا على حساب أجسادنا؟ فصرنا أسرى لتلك الأجساد نعتني بها ونكرمها فقط دون أن نلتفت لحاجاتنا النفسية التي أهملناها ونسينا العناية بها في ظل اندفاعنا نحو المتع الحسية والمادية.

إنّ المبالغة في تقديس الجسد والانصراف عن تلمس حاجات الروح لن يجعلنا ننعم بسعادة أكبر. بل هو العكس سيجعلنا أسرى لسراب نراه من بعيد حتى إذا اقتربنا منه لم نجد شيئًا سوى ضياع أوقاتنا ومدخراتنا. بينما كان من المأمل أن نلتفت لما فيه خيرنا وسعادتنا وجمال أيامنا فهو الذي يشعرنا بطعم حياتنا الحقيقي ويجعلنا على الدوام نرتقي به ونعمل على ترميمه واصلاحه. أما الجسد فهو فانٍ في الأخير ولم يكن يستحق منا كل تلك العناية إلا بالقدر الذي تتحقق معه جودة صحتنا ومتطلبات حياتنا كالرياضة والمشي وما سوى ذلك هوامش لا تقدم ولا تأخر.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *