في لقاء دولي قريب وجدت نفسي إلى جوار مواطن إيراني عاقل بدأني بالحوار حول إيران وعلاقاتها بجوارها، لم يكن متشنّجا في طرحه بل ظهر مقرّا بكوارث سياسة بلاده في الداخل قبل الخارج، وكان هذا الإقرار جوابا على تساؤلي عمّا يجنيه النظام في طهران من استعداء ودمار في دول الجوار العربي والإصرار على بعثرة الأمن والاستقرار في كثير من دول العالم.
وحين سألته: ألم يكتفِ الشعب الإيراني من تجربته المرّة والمعاناة المستمرّة طيلة ما يقرب من 45 عاما من هذه السياسات والفوضى التي حرمته من تطوير بلاده واستغلال ثرواته وإمكانات الشعب الإيراني الكبيرة؟ أجاب بشيء من الحسرة أن السبب الرئيس هو تغييب صوت العقلاء وهم كثر في بلاده كما قال، وحين ابتسمت واصل قائلا: صدقني إن هناك سياسيين في عمق النظام يبحثون عن مخرج، أصبحنا معزولين ومنبوذين ومحرومين بموجب العقوبات الدوليّة والملاحقات حتى من إلحاق أبنائنا بالجامعات العالميّة وأن نعيش بشكل طبيعي في بلادنا ونستثمر ونسيح في دول العالم.
ومن خلال الحوار الطويل مع هذا المواطن الإيراني اتضح لي أن الشعب الإيراني لم يتمكن من قول كلمته في صخب الشعارات وقيام طغمة من السياسيين تدعمهم بعض المراجع الدينيّة بترويج نظريات عبثيّة حول استهداف “أنظمة الاستكبار” لبلادهم وهم في الحقيقة يسيرون ببلادهم وشعبهم من هاوية إلى أخرى، وخلال هذه العقود الأربعة كان واضحا تغييب هذا الشعب وحضارته وإمكاناته عن الإسهام الإيجابي في بناء ذاته وتطوير علاقاته مع جواره العربي والخليجي تحديدا بما يعود بالنفع على الإقليم كافة.
لقد عاشت إيران طيلة العقود الماضية حصارا دوليا في كل اتجاه وبسببه أدت عقود “الفرص الضائعة” إلى مفاقمة معاناة الشعب من مرارة التضخم المطرد وانخفاض قيمة الريال الإيراني وتراجع الناتج المحلي الإجمالي، ما انعكس على حياته ومعيشته وارتفع بذلك عدد الأسر الفقيرة (نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في إيران تتجاوز الـ 60 في المئة). ثم كانت موجات الجفاف التي ضربت الإنتاج الزراعي والمقاطعة الدوليّة التي أضرت بالقطاع النفطي والصناعي ناهيك عن فاتورة الدعم الضخمة للميليشيات والفوضى في لبنان وسورية ثم العراق فاليمن وغيرها والتي تكلف ما بين 20 إلى 30 مليار دولار سنويا، وفي كل هذه السنوات لا صوت يعلو فوق صوت المكابرين في طهران مع خفوت صوت العقلاء وتغييبه.
إن الشعب الإيراني أحوج ما يكون إلى إظهار العقلاء وتمكينهم من مخاطبة النظام والعالم فلم يعد ممكنا في عالم اليوم المتشابك في مصالحه أن يعيش نظام سياسي أو يستقر شعب في بلاده بمنطق الفوضى، أو أن يبني علاقاته مع جواره والعالم بسلاح الميليشيات والدمار.
- قال ومضى:
من لم يتعلّم التاريخ ستضيّق عليه الجغرافيا..
التعليقات