الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

“ارتاحو” – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري

“ارتاحو” – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري

الكلمة التي جردت البيوت من ارواحها .
في بواكير الثمانينات الميلاديه ،، ظهر على الناس ، ثقافة التمدن و المدنية،
والنزوح من القرى الى المدن،، وبينما يقفل المهاجرون إلى ديارهم صيفاً،
يرددون على أذان ذويهم و أهليهم “ارتاحوا” ارتاحوا من هذا الشقاء و العناء و هذه الحياة الصعبة ،
تعالوا المُدن وارتاحوا ، كل شيء في المدينة متوفر،
و يوماً بعد يوم زاد تردد هذه الكلمة وزاد تأثيرها و أخذت القرى تنحسر
و الأعمال الذاتية تتلاشى
بدأت اليد الأجنبية تدب في قرى كانت ظاهرة،،
بدأت الأصالة في التقوقع ،،
انسحب البساط الأخضر من تلك المدرجات الرائعة التي كانت تنبض بالحياة ،
وكل عام ينحسر ذلك البساط الأخضر فلا ترا إلا النزر اليسير من حقول القمح أو الذرة أو بعض ( غروس الفواكه) يالها من فجوة عميقة و هوة عظيمة، كانت نتاج صخرة عظيمة تمثلت في كلمة ( ارتاحوا) فأحدثت كل هذا الخلل البيئي في الطبيعة و الخلل النفسي في الإنسان و الصحي ايضاً ،
لقد غُلّت أيدي ابناء البلد و انطلقت يد “الأجنبي”
تجففت منابع المعرفة المحلية ،ولم يعد لتلك
القرى من راعٍ أو ملهم أو قائد ، الجميع يُهاجر هجرة يظنها الناس هجرك طوعية بينما هي قسرية ، قهرية،
نزحنا كالمهجرين فرحين بما نحن مقبلون عليه ،
لم نتريث ساعة و لم نقف لبرهة، فرحين بما في مدينة الرتابة من راحة و استقلالية و شرود من الواجب!!
خلل يتلوه خلل
حتى
اصبح ظلمات بعضها فوق بعض،،
تُرى
هل تبكي علينا تلك المدرجات الزراعية؟
هل تبكي علينا بيوت الحجر و الطين؟
هل تبكي علينا جبال تركناه جامده؟
تلك الجبال لم تعد تسمع صوت ناي الراعي
ولا صلصلة جرس الكلب و الغنم
ولم تعد تسمع اصوات كانت تؤذن بالصلاة
ولم يعد إلا صرير الرياح بين جنباتها
هل تبكي علينا تلك الاماكن أم تبكي منا ؟
هل تنكرنا لتلك الأيدي ؟؟
في الجبال كنا نتفيأ ظلال العرعر ،
و نستعذب ماء الوكار وبعض العيون،،
كنا في سباق مع شروق الشمس و غروبها،،
نتبع الشمس نشرق معها ونغرب معها ، ونلتحف الليل، ونغتسل بالمطر، و نقبّل التربة و الأرض، نشدو مع الطير،،
نعصب رؤوسنا بالورد والريحان والبرك و العطر،،
ننثر الحب في كل قطعة زراعية صغيرة او كبيرة،، لتكون مروجاً خضرا ، وسلة عظيمة للغذاء
القرية و جبالها و وديانها تعج بحياة لايمكن لهذا الجيل أن يراه،،( من يسعفنا بفيلم او مقطع) يجسد تلك الحياة التي تشكل تكامل بيئي عظيم،،
اكتفاء ذاتي ..تكاتف اجتماعي وتضامن،
اصالة، علوم رجال،، ونساء صالحات في بيوت تنبض بالحياة و الأدب و الشهامة و الكرم، والبذل و العطاء
كل ذلك كان، كان ، كان ، قبل أن نُرجم بسجيل “ارتاحوا” بعدها
وجِدت حياة ليست بالحياة ،
و ألم أرجوا أن يغيب.

*ومضة
اولئك ابائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع .

دمتم بوعي.

 

التعليقات

تعليق واحد على "“ارتاحو” – بقلم الكاتبة أ. قبلة العمري"

  1. احلى كاتبه واحلى كلام الى الامام ياملهمة الجميع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *