وصل إنفاق الحكومة الأميركيّة المباشر على الدبلوماسيّة العامّة (القوة الناعمة) إلى 2.5 مليار دولار في عام 1994. واستمر على هذا المستوى في عامي 2010 و2011 وفي عام 2020 تراجع قليلا إلى 2.23 مليار دولار. ويقول تقرير لمجلة “فورين أفيرز” إنه اعتبارًا من عام 2015 خصّصت بكّين أكثر من 10 مليارات دولار (سنويًا) لعمليات الدعاية العالميّة. وفي عام 2011 أنفقت الحكومة الروسيّة ما لا يقل عن 380 مليون دولار فقط على شبكة روسيا اليوم (RT). والهدف الأكبر لهذه الدول هو إعادة التموضع في حقبة النظام العالمي الجديد. وبطبيعة الحال كانت هناك آثار وضحت في تباين المواقف الدوليّة من الحرب الأوكرانيّة حيث ذهبت دول كثيرة إلى مربع التأييد أو الحياد. أما بخصوص الصين فقد أظهر مسح أجري في 19 دولة عبر ست قارات، أن تأثيرها زاد ثلاثة أضعاف من حيث عدد الأشخاص الذين اعتبروا “نموذج الصين” متفوقًا على (نموذج) الديمقراطيّة على النمط الأمريكي.
أما بريطانيا سيدة القوة الناعمة فيكفي أن نعرف أن شبكة “بي بي سي” تحصّلت في ميزانيّة 2020 /2021 على 3.8 مليارات جنيه إسترليني من رسوم الترخيص (الإجباريّة) التي دفعها سكان بريطانيا. وهذه الشبكة الإعلاميّة الحكوميّة تبث برامجها اليوم بأكثر من 40 لغة. أمّا المجلس الثقافي البريطاني الذراع الأقوى للقوة الناعمة البريطانيّة (تأسس في عام 1934) فيعمل اليوم في أكثر من 100 دولة في جميع أنحاء العالم في مجالات الفنون والثقافة واللغة الإنجليزيّة والتعليم والمجتمع المدني (بحسب تقريره). وفي عام 2017 كما يقول تقرير المجلس: “وصلنا إلى أكثر من 65 مليون شخص بشكل مباشر و731 مليون شخص بشكل غير مباشر”. ويؤكد المجلس في تقريره أن “القوة الناعمة للمملكة المتحدة، وتأثيرها العالمي وجاذبيّتها، أمر حاسم لنجاح البلاد على الصعيد الدولي”.
وتتواجه الدول الكبرى على كافة الأصعدة في حرب العقول والقلوب العالميّة هذه من خلال استراتيجيات توظيف القوة الناعمة. ومن ذلك على سبيل المثال قيام الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما بإنشاء مركز حكومي متخصص باسم Global Engagement Center (مركز المشاركة العالميّة). ويهدف المركز بحسب رؤيته المنشورة إلى: “توجيه جهود الحكومة الفيدراليّة الأمريكيّة وقيادتها ومزامنتها ودمجها وتنسيقها للتعرف على جهود الدعاية والمعلومات الأجنبيّة المضللة وفهمها وفضحها والتصدي لها”. وتضيف رؤية المركز أنها ستركز على تلك الجهود التي تهدف إلى تقويض أو التأثير على سياسات الولايات المتحدة أو أمنها أو استقرارها وحلفائها والدول الشريكة.
ومع انتشار وسائل الإعلام والجماهيريّة العالميّة لوسائط التواصل الاجتماعي يزداد التنافس الدعائي الدولي في الفضاء الرقمي، وسيشهد صراعا مريرا، ويكفي مثالا ما يدور علنا وجهرا حول شبكة “تويتر” الأميركيّة، ومنصّة “تيك توك” الصينيّة.
- قال ومضى:
في حرب المعلومات الكلمة سلاح والصورة قذيفة..
التعليقات