غلب القضايا والمشكلات التي تواجه البشر أفراداً وجماعات مصدرها عدم الفقه بالأولويات، إذ من النادر أن تجد اتفاق بين اثنين في القضية الواحدة لاختلاف نمط التفكير لكل منهما، فقضية عدم الفقه بالأولويات غير محصورة بغير المتعلمين(الأميين)، أو من لديهم محدودية في التحصيل العلمي، بل هي قضية لها علاقة بالثقافة المجتمعية التي تتناقلها الأجيال عبر التوارث حتى أضحت جزء من حياتنا يتم ممارستها ليس فقط بصفة شخصية، وإنما شملت كل مناحي الحياة المجتمعية.
نسمع عبارة “الوقاية خيرٌ من العلاج”، لكننا في الممارسات لم نوفق في التطبيق، فإمَا أن نبدأ بالعلاج ونؤخر الوقاية، أو نأخذ بالعلاج دون الوقاية، أو نترك الوقاية والعلاج معاً، وهذا يعني أن نسبة 75% من قضايانا تسير كيفما اتفق دون تخطيط أو دراسة للوصول للهدف المنشود.
من صور البدء بالعلاج قبل الوقاية على المستوى الفردي والأسري ظواهر الخلافات الأسرية التي تبدو ماثلة للعيان، والتي تنتهي غالباً بالطلاق أو الخلع بعد أشهر من الزواج، في حين كان يمكن تفادي مثل هذه القضايا لو أن موضوع اختيار الشريكين لبعضهما كان أساسه التوافق، والذي يقتضي الإفصاح لكل طرف بمزايا وعيوب الطرف الآخر قبل دخولهما في هذه الشراكة.
وفي الشأن المروري؛ يعاني المجتمع من ترصد نظام ساهر لهم في الطرقات، تارةً بتغيير الحد الأدنى والأعلى للسرعة أو الرسوم المقررة للغرامات، وتارةً بوضع جهاز ساهر في الخفاء لرصد وتغريم المخالفين، دون وجود ما يكفي في الجانب (الوقائي) للتوعية بمخاطر الطريق ومقدار السرعة المحددة، ناهيك عن ارتفاع رسوم المخالفات المرورية بما يفوق أحياناً قيمة السيارة المخالفة.
أما على المستوى الرسمي؛ فتُطالعنا الصحف عبر جهاز مكافحة الفساد بخبر إيقاف أو عزل إداري أو مسؤول أو قاضي لهذه الدائرة أو تلك لوقوع فساد مالي بالسرقة أو الرشوة واحالته للتحقيق، في حين كان يمكن أن يتم اختيار هذا المسؤول للمنصب وفق معايير محددة تأخذ في الحسبان الأمانة في العمل والقوة في العلم، امتثالاً لقول الله تعالى(إنَ خير من استأجرت القويُ الأمين)، قبل أن يمكث هذا المسؤول عقوداً يُمارس الفساد ليس فقط في جانب الموارد المالية، بل في حق مجتمعه الذي مارس معه كل صور الفساد الإداري خلال فترة عمله دون وازع أو ضمير.
خلاصة القول: إعمال الفكر، والتأني في اتخاذ القرارات قبل إصدار الأحكام، سواءً كانت القضية فردية شخصية أو مجتمعية أو رسمية، سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى اتخاذ القرار الصحيح، كما أن الفشل في الوقاية يؤدي إلى المزيد من الأمراض التي يعاني منها الفرد والمجتمع، وهذا يتطلب من الجميع دراسة وفهم فقه الأولويات، والوقاية خيرٌ من العلاج.
التعليقات