مع أن وجود العقل لدى الجنس البشري مزية جعلت منه مناط التكليف إذ لا تكليف لغير العاقل، إلا أنه في عالمنا العربي خصوصاً والمجتمع المسلم في العموم يحتل العقل منزلة دنيا توقف عملها منذ القرن السادس الهجري حتى اليوم، فلا نزال نردد أقوال الأئمة الأربعة وعلماء الاجتهاد كابن تيمية وابن القيم وبن حزم وغيرهم من العلماء اعتماداً كلياً على تصوراتهم في الواقع الذي واكب زمانهم ولا تزال هذه المنقولات تتناقلها الأجيال حتى اليوم.
كثيراً ما نردد مقولة ماضينا التليد، والفتوحات الإسلامية، والنهضة العربية التي كانت إلى عهد قريب، دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن كيفية العودة من جديد إذا صحت المقولة، أو تصحيح المسار في حال كانت المقولة خاطئة.
مشكلة أمتنا العربية والإسلامية هو ضياع الهوية، فالأهواء تتقاذفها من كل جانب دون أن يكون لها دور محوري في قيادة العالم الذي يقوم حالياً على موارد الاقتصاد والصناعة، فكانت الأسبقية في هذا المضمار للغرب والشرق، وضاعت هوية العرب والمسلمين بين الطرفين. لا يوجد في عالمنا الإسلامي مراكز أبحاث مدعومة تشجع على التفكير، وابداء الرأي، وطرح وجهات النظر..
فالعقل إذا غاب انحرفت بصاحبه الأهواء باتجاه الطرف الغالب، وعلى النقيض؛ لم تنهض المجتمعات غير الإسلامية على مستوى الصناعة والعلم إلا بعد تحرير العقل، والتشجيع على التفكير، وتكريم أهل الفكر والابتكار، والأخذ بتلك الأفكار نحو التنفيذ على أرض الواقع، ناهيك عن تشجيع البحث العلمي في كافة المجالات.
لقد مرت أوروبا بمرحلة الانحطاط التي يمر بها عالمنا العربي والاسلامي اليوم، مروراً بعصر النهضة والفكر أو ما يسمى بعصر الفلاسفة، ثم العصر الذي سادت فيه الكنيسة أو مرحلة التدين، وانتهاءً بالأسفل إلى منزلة اشباع الغرائز والشهوات لتأمين الأمن الغذائي للجوعى والغرائزي لأرباب الشهوات الميسورين، ولم تنهض أوروبا مرة أخرى إلا بعد تحرير العقل للفكر والبحث والاستقراء مع الدعم والتشجيع على المنافسة بين الباحثين للوصول لما نشهد اليوم من تقدم في كافة المجالات.
لا سبيل للنهوض للأمة إلا بتشجيع العقل على التأمل والتفكير ودعم هذا الاتجاه بهدف تحرير العقل من الانتكاس نحو التدين الأعمى المعتمد على المنقولات دون المعقولات، فعندما يغيب التفكير السليم يظهر التكفير المشؤوم الذي يقود صاحبه نحو استحلال الدماء ونشر فكر الكراهية، أو يسود فكر الالحاد الذي يغيب معه العقل والنقل معاً، فلنعيد للفكر مكانته بين الأمم حتى ننهض مرة أخرى.
التعليقات